تحقيق إخباري: خياط سوري مسن يقضي التقاعد في إصلاح الملابس للأشخاص في شاحنته القديمة بدمشق
جمال المصري
دمشق 14 أكتوبر 2021 (شينخوا) جلس الرجل الستيني بالعمر أبو عمار خلف ماكينة الخياطة في شاحنته القديمة وقال متنهدا "كنت احلم بأن امضي وقتي بعد التقاعد في بيتي مستريحا مع افراد اسرتي، واجلس مع أصدقائي بمقهى ونتسلى دون الحاجة للاستمرار في العمل بمهنة الخياطة في ظروف صعبة اجبرتني عليها الحرب".
لم يخطر ببال الخياط السوري جمال المصري الذي كان يعيش في محافظة حمص (وسط سوريا) قبل نشوب الحرب بسوريا في مارس 2011، ان يترك منزله وينزح إلى العاصمة دمشق ليعمل فيها بمهنة الخياطة التي احبها قبل سنوات في سيارة على قارعة الطريق في احد شوارع العاصمة دمشق لتستمر المعاناة مع هذا الشخص المسن.
قبل اندلاع الحرب السورية منذ أكثر من 10 سنوات، كان المصري يحلم بتقاعد مريح والاستمتاع ببقية حياته مع أسرته، ولكن الحرب التي اندلعت في سوريا كانت صعبة على جميع السوريين عموما وعلى هذا الرجل الستيني من العمر، حيث حطمت ليس فقط أحلامه وانما منزله وورشته في حي جورة الشياح بمدينة حمص، الذي أصبح من أكثر الأماكن تضرراً في حمص.
وأبو عمار مثله مثل غالبية السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم، حيث غادر مع زوجته وابنيه المعاقين حمص إلى دمشق في العام 2012 دون أي شيء سوى شاحنة قديمة أثبتت لاحقًا أنها أثمن ما حصل عليه على الإطلاق فيما بعد.
وعند وصوله إلى دمشق، استأجر الخياط المصري بيتا في حي ركن الدين بمدينة دمشق (شمالا)، وهو في حالة حيرة من امره ماذا سيفعل لتأمين أمور بيته من طعام ونقود، فكان يجوب الشوارع بحثا عن فكرة وعمل ليبدأ مسيرة حياته الجديدة بعد خروجه من حمص فما كان منه الا أن اقتبس فكرة من رجل كان يعمل في احد احياء دمشق القديمة بسيارته الصغيرة، فسارع إلى بيته واشترى ماكينة خياطة ووضعها بسيارته البيضاء التي يملكها وانطلق بالعمل، بعد ان نزع المقاعد الامامية للسيارة ويضعها بجانب رصيف في منطقة ركن الدين بدمشق.
ومع مرور الأيام والاشهر بدأ الناس ينتبهون لهذا الرجل الستيني، وأخذ يعمل رويدا رويدا في اصلاح الألبسة الجديدة والقديمة وبدأت رحلته الشاقة كما اسماها من جديد، وهي استمرار لما كان يعمله سابقا ولكن مع فارق المكان والزمان.
وقال أبو عمار أثناء جلوسه خلف ماكينته بسيارته لوكالة أنباء ((شينخوا)) "خرجت من حمص في العام 2012 بسبب الحرب والقتال الدائر هناك قاصدا العاصمة دمشق بهدف البحث عن الأمان أولا والعمل ثانيا، لان كل ما كان لدينا من مدخرات قد نفذت".
وأضاف أبو عمار الذي يلبس بنطلون جينز ازرق اللون وقميص، ويضع نظارة طبية على عينيه الحزينتين، وبدأت على وجهه علامات التقدم في السن، "في أحد الايام كنت أسير بسوق الجمعة بدمشق القديمة، رأيت رجلا يجلس في سيارة يمتهن مهنة الخياطة، فخطرت ببالي نفس الفكرة كوني املك سيارة ، وتسألت لماذا لا اعمل مثله، على الفور عدت الى المنزل اشتريت ماكينة خياطة ووضعتها بالسيارة، وبعد عدة أسابيع بدأ الناس ينتبهون لي ويسألوني عن عملي وماهيته واخبرتهم بأنني خياط محترف واقوم بتفصيل البدلات الرسمية، كما اقوم بإصلاح بعض الألبسة، وهكذا بدأت العمل وهي بالمحصلة مصلحتي".
ولم يستطع الخياط المصري أن يخف دموعه التي خرجت من عيناه عندما سألنه عن حياته، وكأنه يشعر بالأسف على نفسه وكيف أنه خطط للتقاعد قبل نشوب الحرب والخلود إلى الراحة والاستمتاع ببقية وقته، لكن كما يقال "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".
وقال "انا أعيش معاناة حقيقية حتى استطيع أن احصل على لقمة عيشي، صار عمري 65 سنة، وما زلت أعمل، أنا ينبغي أن أكون متقاعدا عن العمل، ولكن أنا لا أستطيع أن اتقاعد، لأنه لا يوجد أحد من افراد عائلتي قادر على تأمين متطلبات الحياة اليومية".
وتابع "انا حلمي أن أجلس في حديقة او مقهى مع أصدقائي ، واتسلى معهم ، لكن للأسف استمريت بالعمل رغم تقدمي بالعمر ، والان أنا اذهب من بيتي إلى العمل في السيارة وبالعكس"، واصفا الحياة بأنها "صعبة"، وان أحلامه بسيطة وليست معقدة.
وقارن المصري حياته قبل نشوب واثناء الحرب، معبرا عن اسفه لما آلت اليه الأمور لاحقا، قائلا "في حمص كنت اجلس واشرب كاسة شاي واجلس على باب محلي انا ورفاقي وبيتي ملكي ما في ايجار، اما الان فهناك معاناة وهذا الشيء حرمنا منه لذلك نتأمل ان نعود إلى بيتنا وشغلنا وعلى محلنا وهناك فرق كبير في الحياة الان وسابقا".
وتابع يقول "الفرق كبير قبل الازمة كان عندي ورشة كبيرة وعندي عدة ماكينات خياطة وعمال، وانا كنت المشرف وشغلي تمام، ولكن الان اعمل ساعات طويلة حتى أتمكن من جمع ايجار المنزل".
بالنسبة للمصري، المستقبل يبدو وكأنه رفاهية وكل أحلامه تتمثل بعودته إلى منزله في حمص الذي قام بإصلاحه بمساعدة إحدى الجمعيات الخيرية في سوريا.
ومع ذلك، فإن العودة إلى المنزل في حمص تحتاج إلى عامين آخرين لأن المنطقة هناك مازالت مدمرة إلى حد كبير، وإصلاحه يحتاج إلى وقت.
وقال "بالتأكيد، الماضي أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، كنت مرتاحا، بالنسبة لي لا يوجد مستقبل، لا يوجد مستقبل يا أخي، ربما يكون المستقبل الجيد بالنسبة لي هو أن أعيش بقية حياتي في المنزل في حمص، لقد مرت الحياة وقطار الحياة مضى يا ولدي".