دمشق 12 يوليو 2015 (شينخوا) يشكو معظم السوريين في هذه الآونة من قلة المياه مع اشتداد حرارة الطقس في فصل الصيف من جهة واستهداف مقاتلي المعارضة المسلحة لغالبية منابع المياه التي تغذي العاصمة دمشق وبعض المحافظات الأخرى في وسط وجنوب وشمال سوريا، الأمر الذي شكل عبئا إضافيا على السوريين إلى جانب تأمين باقي احتياجات العائلة من طعام ودواء.
هذا الشح في مياه الشرب في العاصمة دمشق، التي تأتي في خطوط الماء من نبع الفيجة بريف دمشق الغربي، دفع الكثير من المواطنين إلى السخرية خاصة عندما يمرون بساحة الأمويين بوسط دمشق ويرون نافورة كبيرة تتوسطها تقوم برش المياه لعدة أمتار للأعلى فيما تخلو بيوت الكثيرين منهم من المياه لعدة أيام.
وقال سمير علوش وهو سائق تاكسي (أجرة) في دمشق خلال مروره بساحة الأمويين لوكالة (شينخوا) يوم الأحد إن "ساحة الأمويين أصبحت مسرحا لرذاذ الماء من نافورة كبيرة بقلب الميدان في حين لا يوجد ماء في منزلي، خاصة في ظروف الصيف الحار".
وأشار علوش الذي يقطن في حي الزاهرة (جنوب دمشق) إلى أن المياه الرئيسية الصالحة للشرب لم تأت منذ أسبوع ، ما جعله يعيش ظروف صعبة بدون مياه .
وأضاف يقول "ابنتي عمرها تسعة أشهر وتحتاج إلى الاستحمام وليس لدينا قطرة مياه"، معربا عن استيائه الشديد من هذه الحالة التي جعلته في حيرة من أمره، قائلا "ماذا عسايا أن أفعل حيال ذلك هل أذهب لشراء مياه أم ماذا، أم علي أن أجلب ما هو ضروري من احتياجات لمنزلي من طعام ودواء؟
جدير بالذكر أن سوريا شهدت في فصل الشتاء الماضي هطول كمية كبيرة من الأمطار وقيل أن تخزين كمية المياه في دمشق يغذيها لأكثر من سنتين أو ثلاثة ، وفقا لمسؤولين في مديرية المياه.
ويشار إلى أن أكثر من خمسة ملايين شخص في دمشق يشربون من مياه ينابيع الفيجة التي تتدفق من ريف دمشق الغربي وتمد دمشق بالمياه الرئيسية. وتصل غزارة نبع الفيجة الذي يغذي دمشق إلى 25 مترا مكعبا في الثانية في فصل الربيع حيث تذوب الثلوج وتتفجر الينابع الجوفية.
وانخفضت مياه بلدة عين الفيجة التي تقع في منطقة وادي بردى التي سيطر عليها مقاتلو (جبهة النصرة) فرع تنظيم القاعدة في سوريا قبل عامين.
وأفادت تقارير بأن المتمردين هددوا قوات الجيش السوري بأنهم سيقطعون المياه عن العاصمة دمشق إذا لم يستجب لمطالب المعارضة المسلحة، ويوقف القتال، ويفك الحصار عن بعض المناطق التي يحاصرها الجيش في ريف دمشق الغربي والشمالي.
وفي وقت لاحق، تم التوصل إلى نوع من الهدنة بين السلطات السورية والمتمردين بحيث سمحت الحكومة السورية بدخول المواد الغذائية والضروريات لتلك المناطق المحاصرة مقابل عدم قطع المياه عن دمشق.
وفي مناسبات عدة، هدد المتمردون إنهم سيقطعون المياه من دمشق لكنهم لم يقدموا على تهديداتهم، ولكنهم كانوا يقللون من كمية المياه دون قطعها تماما، باستثناء مرة واحدة عندما قطعوا المياه لمدة ثلاثة أيام متتالية في العام الماضي.
ولكن في الأسبوعين الماضيين عندما شن الجيش السوري مدعوما بعناصر حزب الله اللبناني هجوما عنيفا على مدينة الزبداني بريف دمشق الغربي للسيطرة عليه وطردهم منها ، لوح المتمردين بسلاح المياه وقاموا بضخ كمية كبيرة من مياه نبع الفيجة في نهر بردى، ما أدى إلى ارتفاع منسوبه في هذا الوقت من السنة.
كما قاموا بقطع المياه عن دمشق ريثما يتوقف الجيش السوري وحزب الله عن الهجوم عن مدينة الزبداني، وفقا للعديد من التصريحات التي صدرت من قبل المتمردين على المواقع التابعة للمعارضة.
وما ساهم في قلة المياه عن دمشق وبعض المحافظات السورية هو انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وفي بعض الحالات لأيام طويلة مع عدم وجود المياه، كما حصل في أحياء الزاهرة والتضامن ودف الشوك، والتي عاشت بدون ماء لأكثر من خمسة أيام متواصلة.
كما ذكرت تقارير أن ضخ المياه الآن يتم عبر الآبار الاحتياطية الموجودة قرب العاصمة دمشق.
ومع ذلك، فإن ترشيد المياه يختلف من منطقة لأخرى ، ففي المناطق الراقية لا تنقطع المياه إلا لبضع ساعات فيما يحصل آخرون على المياه كل ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع .
ومعاناة بعض أهالي دمشق قد تبدو بسيطة أمام معاناة بعض السوريين الذين لا يستطيعون شراء مياه الشرب في زجاجات معبأة من نبع الفيجة نظرا لارتفاع سعرها أحيانا وعدم وجود مصدر آخر للمياه سوى نبع الفيجة الذي انقطعت بسبب وجود الاشتباكات وسيطرة المتمردين عليه.
وللتعامل مع هذا الوضع الراهن ، فضل بعض الناس شراء المياه المعبأة في زجاجات كبيرة أو ملء خزانات بيوتهم من سيارات كبيرة تحمل صهاريج المياه، والتي توفر خدماتها بناء على طلب العميل وسط شكاوى من أن التجار وراء مثل هذه الأعمال يستغلون أزمة المياه للحصول على أموال إضافية.
ومع ذلك، فإن هذه الحلول الإسعافية تكلف ذوي الدخل المحدود في سوريا نصف راتبه الشهري إذا كان يريد أن يملأ خزان بيته لمدة شهر كامل، ما جعل هذا الأمر عبئا إضافيا.
وقال حيدر، وهو صحفي يبلغ من العمر 27 عاما، إنه يقوم باستئجار غرفة في فندق ليلة واحدة ليأخذ حماما بسبب ندرة المياه التي تصل إلى منزله في حي المزة 86 بدمشق.
وفي ريف دمشق تبدو الازمة مستفحلة أكثر وخاصة في الريف الجنوبي الغربي والشرقي الذي يخضع لسيطرة الجيش السوري حيث يعانون من نقص شديد في مياه الشرب وخاصة في الأشهر الثلاثة القادمة من فصل الصيف حيث يشدد الطلب على المياه.
وذكر أحمد (55 عاما) من أشرفية صحنايا بريف دمشق لوكالة (شينخوا) أن "البلدة تعيش منذ أكثر من شهر أزمة مياه خانقة ، بسبب سيطرة مقاتلي جبهة النصرة على المناطق التي تغذي البلدة بالماء في ريف القنيطرة (جنوب غرب دمشق)"، مبينا أنه يضطر لشراء مياه غير نظيفة من الصهاريج التي تحمل المياه من الآبار غير صالحة للشرب بأسعار (خيالية) حيث يصل سعر البرميل الواحد لأكثر من ألف ليرة سورية (الدولار الواحد يساوي 283 ليرة سورية).
ليس دمشق فقط وحدها التي حوربت بسلاح المياه، لكن محافظة حلب وهي من كبرى المدن السورية، عاشت حوالي أكثر من 15 يوما متتالية بدون مياه نتيجة ضرب مقاتلي المعارضة محطة تحويل المياه التي تغذي المدينة.
ونقلت وسائل إعلام سورية محلية عن مسؤول في وزارة الكهرباء بحلب قوله إن ظروفا استثنائية فرضت على حلب بسبب الهجوم الأخير "الشرس" من قبل المسلحين على مدينة حلب، وهو ما انعكس سلبا على الكهرباء التي تغذي قطاعات حيوية مثل المستشفيات ومضخات المياه.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، (اليونيسيف) قد حذرت يوم الجمعة الماضي من أن الإمدادات المتناقصة من المياه الصالحة للشرب خلال أشهر الصيف الحارقة في سوريا تشكل تهديدا للملايين من الأطفال السوريين الذين أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
وتقول ممثل اليونيسف في سوريا هناء المغني إن "الوضع مقلق بشكل خاص للأطفال الذين هم عرضة للأمراض التي تنقلها المياه".
ومع دخول الأزمة السورية عامها الخامس، فقد أصبحت المياه أكثر ندرة وغير آمنة والظروف الصحية سيئة خصوصا بين مجتمعات النازحين، ما جعل الأطفال عرضة للمزيد من الأخطار بسبب تلوث المياه وقلة الرقابة الصحية عليها، إضافة لتدهور الأحوال المعيشية للكثير من المواطنين السوريين وعدم قدرتهم على شراء مياه نظيفة صالحة للشرب وللاستعمال الشخصي.