مقالة خاصة: نازحون سودانيون يفرون من الموت جراء القتال في ولاية الجزيرة

مقالة خاصة: نازحون سودانيون يفرون من الموت جراء القتال في ولاية الجزيرة

2024-11-17 23:11:30|xhnews

بورتسودان 17 نوفمبر 2024 (شينخوا) في مركز إيواء بمنطقة المكابراب بولاية نهر النيل شمالي السودان، تحكي الشابة العشرينية رزان أحمد إدريس، كيف فرت مع أسرتها الصغيرة وعائلات أخرى لتنجو من الموت في ولاية الجزيرة وسط البلاد بعد رحلة نزوح شاقة.

ووصلت الفتاة السودانية قبل أيام ضمن آلاف النازحين الفارين من نحو 10 قرى بمنطقة شرق الجزيرة وسط السودان إلى مركز الإيواء المؤلف من عدة خيام نصبت بمنطقة قاحلة في المكابراب الواقعة على بعد نحو 18 كيلومترا جنوبي مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل.

ومنذ 20 أكتوبر الماضي تشهد منطقة شرق الجزيرة هجمات متصاعدة تشنها قوات الدعم السريع، ردا على انضمام قائدها بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل، للجيش السوداني، وفق ناشطين ومتطوعين.

وتسيطر قوات الدعم السريع منذ ديسمبر الماضي على ولاية الجزيرة، وتخوض مواجهات مستمرة ضد الجيش السوداني الذي يحاول استعادة السيطرة على الولاية الاستراتيجية الواقعة على بعد نحو 190 كيلومترا عن العاصمة الخرطوم.

وقالت رزان، وهي ممرضة كانت تعمل بمركز صحي بقرية "العيدج" بمنطقة شرق الجزيرة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "نجونا نحن، ولكن جزءا كبيرا من عائلتنا مازال هناك، نعيش هنا في خوف وقلق، نتوقع الأخبار السيئة بأية لحظة".

وروت الفتاة مشاهد "مروعة" لما حدث بقريتها الواقعة على الضفة الشرقية للنيل الأزرق، قائلة إنه في "صباح الثامن من نوفمبر هاجمت قوة تتكون من أكثر من 40 سيارة دفع رباعي قريتنا، وبدأت في إطلاق نار كثيف وعشوائي".

وتابعت "قتل ما يزيد على 15 شخصا خلال الهجوم، وتمت محاصرة القرية واستباحتها، لم يسمحوا حتي بدفن الجثث، منعوا عنا الغذاء والمياه".

وأضافت "تمت محاصرتنا لأيام تحت سيل لا ينقطع من إطلاق النار من قبل الدعم السريع، قضينا أياما لا نستطيع فيها حتي مجرد الحركة داخل المنزل".

وقالت وهي تبكي "كنا نرى من نوافذ منزلنا جثثا ملقاة على الطرقات".

ولم تستطع رزان مغالبة دموعها كلما تذكرت حادثة في قريتها أو استعادت مشهدا من لحظات مؤلمة عاشتها هناك قبل أن تتمكن من الخروج من القرية.

ووصفت ما حدث في قريتها بأنه "هجوم وحشي"، مضيفة أن قوات الدعم السريع "مارست ضدنا انتهاكات فظيعة، هناك مفقودون من القرية لا نعلم عنهم شيئا، وكل أسرة بالقرية فقدت شخصا أو أكثر، إنها مأساة إنسانية".

وتعرضت القرى بمنطقة وسط الجزيرة، وفق إفادات فارين منها، لهجمات مميتة من قبل قوات الدعم السريع، ما دفع نازحين إلى وصف الأمر بأنه "عملية تهجير منظمة".

وقال السوداني عبد الله نور الدين (62 عاما) "إن ما حدث عمل مقصود، في قريتنا تم تسميم مصادر المياه مثل الآبار، وتم منعنا حتى من الشرب من نهر النيل، كان لابد أن نخرج أو أن نموت عطشا".

ولنور الدين طفل مفقود، ولا يعرف شيئا عن مصيره، ولا يمكنه التواصل مع بقية أهله الذين ما يزالون في القرية بسبب انقطاع شبكة الاتصالات في المنطقة منذ فبراير 2024.

وقال الرجل "لدي طفل في الخامسة عشر من عمره، وهو مفقود ولا أعرف شيئا عن مصيره، أتمنى أن يكون بخير، وأن يكون قد تمكن من الهرب إلى منطقة آمنة".

ولم يتسن الحصول على تعليق من قوات الدعم السريع بشأن الأمر.

وفي الثامن من نوفمبر الجاري، أعلنت وزارة الخارجية السودانية مقتل 120 شخصا في مدينة الهلالية بوسط السودان نتيجة "اعتداءات" مسلحة لقوات الدعم السريع وحالات تسمم غذائي، لكن متطوعين قالوا إن القتلى في المدينة وحدها بلغ أكثر من 500 شخص.

وذكر هؤلاء أن أكثر من 500 قرية قد تم تهجيرها، وأن أعداد النازحين من منطقة شرق الجزيرة تجاوزت مليون شخص.

لكن منظمة الهجرة الدولية أعلنت في بيان الجمعة أن أعداد النازحين بسبب الهجمات الأخيرة في شرق الجزيرة بلغت أكثر من 340 ألف نازح.

وفر معظمهم إلى ولايتي القضارف وكسلا المجاورتين سيرا على الأقدام لا يحملون شيئا سوى ملابسهم على ظهورهم، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وكذلك كانت رحلة نزوح الفارين إلى مركز الإيواء بمنطقة المكابراب، إذ وصف السوداني عبد الله سليمان، وهو نازح من قرية السيال بمنطقة شرق الجزيرة رحلة النزوح بأنها "رحلة معاناة".

فقد اضطر سليمان إلى حمل والدته المقعدة لمسافة 30 كيلومترا، بينما سار أطفاله الخمسة بجانبه، دون أن يعرفوا إلى أين يتجهون.

وقال سليمان لـ((شينخوا)) "لمسافة 30 كيلومترا حملت والدتي من قرية السيال حتى منطقة وادي ابو صالح بمنطقة البطانة، فيما سار أطفالي الخمسة بجانبي".

وأضاف "عندما خرجنا لم نكن نعرف إلى أين نتجه، خرجنا بملابسنا فقط، وليس معنا شيء، لا نقود ولا غذاء ولا علاج، لقد تم تهجيرنا بصورة منظمة".

من جهتها، وصفت الفتاة رزان إدريس رحلة النزوح بالشاقة، قائلة "كانت رحلة نزوح مرهقة وشاقة، سرنا على الأقدام لخمسة أيام، وغالبية النازحين من النساء والأطفال وكبار السن".

وخلال هذه الرحلة انضمت رزان وأسرتها الصغيرة إلى فارين من نحو 10 قرى أخرى تعرضت لهجمات من قبل قوات الدعم السريع حتى وصلت إلى مركز الإيواء الحالي.

ويقيم نحو 10 آلاف نازح من منطقة شرق الجزيرة في مركز إيواء المكابراب.

وتبذل السلطات المحلية ومتطوعون من أهل المنطقة جهودا لتوفير الغذاء لآلاف النازحين داخل مركز الإيواء، حيث تقوم مطابخ شعبية تعرف على نطاق واسع باسم "التكية" بتقديم وجبات تتكون من العدس والأرز للنازحين.

فيما وفرت جمعية تنظيم الأسرة بالسودان، وهي جمعية طبية تطوعية، عيادات متنقلة لتوفير العلاج للمرضى من النازحين من شرق الجزيرة.

ولكن تلك العيادات لا تستطع استيعاب الأعداد الكبيرة من المرضى من النازحين الذين تعرضوا لالتهاب بكتيري ناتج عن تسميم مياه الشرب، وفق إفادات النازحين.

وبسبب نقص المعدات، اضطر مسعفون بمركز الإيواء إلى وضع محاليل وريدية على سقف أحد الخيام لعدم توفر الحامل، وهم يحاولون إنقاذ مريض في السبعينات من العمر تعرض لإسهال حاد.

وطوال الرحلة المرهقة، رافقت الممرضة رزان، آلاف الفارين من القرى، وساهمت في تقديم خدمات طبية لعدد من المرضي والمصابين بالتهاب بكتيري حاد.

وقالت رزان "هناك إصابات بالتهاب بكتيري حاد مسبب للإسهال، عشرات النازحين كانوا يعانون بسبب الالتهاب، وهو ناتج عن تسميم مصادر المياه في القرى".

وتابعت "خلال الرحلة لم تتوفر لنا عقاقير طبية، وكنا نعتمد على وصفات شعبية وصناعة (جلوكوز) بخليط من السكر والملح".

ولا تتوفر أرقام رسمية عن أعداد القتلى والمصابين والنازحين من منطقة شرق الجزيرة.

وقالت مفوضية العون الإنساني الحكومية بالسودان في وقت سابق إن استمرار الهجمات على المنطقة وتواصل عمليات النزوح تجعل من الصعب تقدير أرقام عن أعداد النازحين.

ووفق إحصائية حديثة لمنظمة الهجرة الدولية، بلغ عدد النازحين واللاجئين في السودان أكثر من 14 مليون شخص.

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت نحو 13 ألفا و100 قتيل، حسب الأمم المتحدة. 

الصور