مقالة خاصة: عائلات فلسطينية نازحة تلجأ لبقايا منازل مدمرة للعيش فيها بعد فقدان سبل النجاة
غزة 20 نوفمبر 2024 (شينخوا) بعد ساعات طويلة من السير على الأقدام، نجح سعيد غانم وعائلته في الفرار من الموت والنزوح من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة، بعد أن أجبرهم الجيش الإسرائيلي على ترك منازلهم خلال العملية العسكرية المستمرة في المنطقة.
وقال غانم بصوت مجهد وملامح متعبة "بعد أكثر من شهر من الموت الذي كان يتربص بنا في شمال القطاع، اضطررنا للخروج إلى مدينة غزة هربا من القصف الإسرائيلي العنيف على مدينة بيت لاهيا".
وأضاف والد الأطفال الستة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "وصلت في ساعة متأخرة إلى منطقة الشيخ رضوان بعد المشي على الأقدام مسافة 18 كيلو مترا تقريبا، وهي أقرب نقطة إلى شمال قطاع غزة، واضطررت أن أنام في البرد القارس أنا وعائلتي في الشارع".
وتابع بعيون شاردة وهو يشير بأصبعه إلى كومة من الركام ترتفع إلى مترين تقريبا "في الصباح وجدت بناية من ثلاثة طوابق مدمرة تقريبا، يحتوي الطابق الأرضي على غرفة واحدة بدون سقف".
ويقول الرجل الأربعيني "على مدار يومين كاملين عملت على تنظيف وإزالة الركام من الغرفة التي تبلغ مساحتها 16 مترا"، لافتا إلى أنه لا يعرف من هو صاحب المنزل الذي "يستعير" غرفته حاليا ولا ما هي أحواله.
ويتسائل غانم "ما الذنب الذي اقترفناه حتى نعيش مثل هذا العذاب وهذا التشرد؟!".
وتعد المنازل غير المأهولة التي نزح أصحابها إلى جنوب قطاع غزة والبيوت المدمرة في مدينة غزة ملاذ لمئات العائلات النازحة التي عصفت الحرب بأحوالهم.
وتقول شادية زوجة سعيد وهي تصفف شعر ابنتها الصغرى أن هذا البيت المدمر هو "الملجأ الأخير" لعائلتها، ولا تعلم ما هو المصير الذي ينتظرهم في حال فقدوه.
وتصف شادية في حديث لوكالة أنباء ((شينخوا)) بعيون دامعة الأيام الأخيرة التي قضتها في مسقط رأسها في بيت لاهيا أنها كانت شحيحة من حيث المياه والغذاء، إلا أن الحال لم يتغير كثيرا في هذه الغرفة التي لا تصلح للعيش الآدمي، على حد تعبيرها.
وأوضحت شادية أن الغرفة التي يعيشون فيها حاليا لا يوجد بها سقف ولا جدران إلا من ناحية واحدة، كما لا يوجد بها حمام ولا مطبخ.
ومنذ الخامس من أكتوبر الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية عسكرية واسعة النطاق في شمال غزة في مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون المجاورين.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن العملية تهدف لمنع حركة حماس من إعادة ترتيب صفوفها في المنطقة، فيما يقول الفلسطينيون إن العملية تهدف لتهجيرهم قسرا من منازلهم وإعادة الاستيطان إلى قطاع غزة.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان أن 160 ألف وحدة سكنية دمرها الجيش الإسرائيلي بشكل كلي في قطاع غزة، و83 ألف وحدة دمرها الجيش الإسرائيلي غير صالحة للسكن، و193 ألف وحدة سكنية دمرها الجيش بشكل جزئي.
وبحسب البيان فإن نسبة الدمار في قطاع غزة بلغت 86 بالمائة.
وفي مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، ينهمك النازح غسان حنون في تنظيف وإزاحة أنقاض منزل دمرته غارة جوية إسرائيلية ليتحول إلى منزله الجديد بعد أن أجبره الجيش الإسرائيلي على ترك منزله تحت إطلاق النار الكثيف والقصف العنيف في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة
ويقول حنون والعرق يتصبب من جبينه لـ ((شينخوا)) إنه لم يذهب إلى ملجأ أو مدرسة في غزة بسبب "تعمد" الجيش الإسرائيلي قصف مراكز الإيواء.
ويضيف الرجل الثلاثيني وأب لثلاثة أطفال "كانت حياتنا قبل الحرب جميلة بكل معنى الكلمة، كنا نمتلك منازل وبيوت وحارات ومطاعم وشوارع ومدن رائعة"، مستدركا أن الحرب قلبت حياته رأسا على عقب ويعيش حاليا في منزل شبه مدمر لا يوجد به أدنى مقومات الحياة.
وأوضح حنون أنه فقد نصف وزنه تقريبا بسبب المجاعة التي تضرب شمال قطاع غزة وارتفاع أسعار البضائع الجنوني، لافتا إلى أنه يقضي يومه كله في السير على الأقدام في الأسواق من أجل البحث على طعام لعائلته وأطفاله.
ويقول "قبل الحرب كان هناك ما تشتهي العين من طعام وشراب، وكنا نعيش في بيوت بها حمامات ومطابخ ونطهي الطعام على الغاز ونمتلك ثلاجات لحفظ الطعام"، أما اليوم يقول الرجل بصوت حزين "اضطررنا إلى حفر بئر في الرمل لنستخدمه بديلا عن الحمام، واستعمال الخشب والحطب بديلا للغاز في الطهي إن كان هناك أي طعام لنطهوه من الأساس".
في أغسطس الماضي، قال وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني عاهد بسيسو إن حجم الركام الناتج عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تقدر بنحو 40 مليون طن.
وفي إبريل، قالت الأمم المتحدة إن إزالة كمية الركام من المنازل المدمرة في غزة قد تستغرق نحو 14 عاما.
وتنخرط حماس وإسرائيل في حرب دامية ومدمرة بعد هجوم مباغت شنته حماس على بلدات ومواقع عسكرية في جنوب إسرائيل وأسفر عن مقتل 1200 شخص.
وفي المقابل، ردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق أودت بحياة أكثر من 43 ألف فلسطيني ودمار غير مسبوق.