دمشق 31 يناير 2016 (شينخوا) بعد اجتماعين سابقين في جنيف عامي 2012 و2014، واللذين فشلا في التوصل إلى حل للأزمة السورية، تعقد اليوم الجولة الثالثة من المحادثات في المدينة السويسرية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يميز هذه الجولة الجديدة عن سابقتيها، واللتين لم تؤديا إلى أية نتائج ملموسة بخصوص وقف العنف أو التوصل إلى تسوية سياسية.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون في سوريا أن مؤتمر جنيف 3 جاء بعد توافق دولي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبعض الدول الإقليمية المعنية بالشأن السوري، من أجل التوصل لحل الأزمة السورية سياسيا، ما يعد بحد ذاته ميزة إيجابية، بعدما كانت تهيمن على الجولات السابقة تجاذبات سياسية كبيرة مع اختلافات في تفسير بيان جنيف 1، وخاصة فيما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
جنيف 3 يأتي في ظل "تطورات جديدة"
وقال علي أحمد، مستشار وزير الإعلام السوري في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق إن "مؤتمر جنيف الأول عُقد في بدايات الأزمة السورية، ولم يكن واضحا تفشي الإرهاب في تلك المرحلة، أما مؤتمر جنيف 3 فإنه يأتي بعد صدور القرارين الدوليين 2253 و2254 وأحدهما تحت البند السابع"، مشيرا إلى أن هذين القرارين يقضيان بتجفيف ومكافحة أي عمليات تؤدي إلى تمويل ودعم الإرهاب .
وأضاف الأحمد، وهو باحث في أحد مركز الدراسات الإستراتيجية في سوريا، أن "مؤتمر جنيف 3 يأتي مع وجود خارطة سياسية ضمن برنامج زمني لحل الأزمة السورية".
وفي ديسمبر الماضي، أيد مجلس الأمن الدولي قرارا يتضمن خارطة طريق لإحلال السلام في سوريا، والذي يحدد جدولا زمنيا يبدأ في يناير الجاري من خلال إجراء محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة بين الحكومة والمعارضة، مع دعمه التوصل إلى اتفاق يتضمن خطوطا عريضة لوقف إطلاق النار في كافة المناطق حال اتخاذ الأطراف المعنية أولى الخطوات نحو عملية الانتقال السياسي.
كما تشمل خارطة الطريق أيضا تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات مبكرة.
وبدوره، قال المحلل السياسي أسامة دنورة إن هناك اختلافات بين الجولة الثالثة والجولات السابقة من عدة جوانب، من بينها مواقف الرأي العام.
وأوضح دنورة في تصريحات لوكالة (شينخوا) إن "المجموعات المسلحة لم يعد بإمكانها أن تستمر في القول بأنها تمثل إرادة الشعب، أو إنها تمثل حراكا شعبيا يطلق عليه اسم ثورة".
وتابع إن "هذه الإدعاءات قد تغيرت جذريا ما بين جنيف الأول والاجتماع الحالي، حيث أصبح واضحا أن هذه المجموعات المسلحة لم تعد تلق دعما من العديد من دول العالم"، مشيرا إلى أن "هذه المجموعات المسلحة أصبحت تشكل عبئا على الشعب السوري، بالنظر إلى الوضع العسكري المفروض عليها".
وفيما يتعلق بالوضع السياسي والدولي، لفت دنورة إلى أنها "شهدت انزياحا كبيرا منذ جنيف الأول حتى الآن ، بعدما كان الطرف الإقليمي قد جند خلفه في جنيف الأول عددا كبيرا من الدول التي جمعها تحت هدف إسقاط الدولة السورية باسم أصدقاء سوريا وبلغ العدد ما يفوق 100 دولة، ولكن بات واضحا أن الداعمين لهذا المفهوم قد أصبحوا يعدون على أصابع اليد الواحدة"، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية نفسها قد غيرت خطابها لكي يتم الحفاظ على مؤسسات الدولة واستمراريتها وعدم السماح بحدوث فراغ في السلطة.
وأضاف دنورة أن "من أهم المتغيرات التي حصلت هو تحول المشهد، الذي كان مخططا له إظهار المعارضة السورية كمجموعات مظلومة تدافع عن الشعب السوري، إلى مشهد أصبح تنظيم (داعش) هو الذي يشغل بال العالم بأسره".
ومن العوامل الأخرى التي تجعل من لقاء جنيف 3 مختلفا عن سابقيه هو دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، وهو ما أعاد إيران، التي تعد الحليف الإقليمي الرئيسي للحكومة السورية، إلى موقعها كقوة إقليمية مؤثرة.
وقال دنورة إنه تم إجراء العديد من المحادثات الدبلوماسية والاجتماعات الماراثونية بشأن الأزمة السورية بعد التوقيع على الاتفاق النووي ، مشيرا إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ضد تنظيم (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى ساهم إلى حد كبير أيضا في تغيير المعادلة الإقليمية.
وبدأ الطيران الروسي في شن غارات داخل سوريا منذ 30 سبتمبر من العام الماضي، بناء على طلب من الحكومة السورية، الأمر الذي عزز موقف الحكومة السورية، ومهد الطريق نحو الحوار مع جميع البلدان المعنية من أجل التوصل إلى الحلول التي قد تضع حدا للصراع الداخلي في سوريا والذي شارف على دخول عامه السادس.
وأنهى كل من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والتدخل العسكري الروسي في سوريا احتكار القوى الغربية لإدارة الصراع في سوريا، بحيث أُعيد التوازن المطلوب لدفع الأطراف في سوريا إلى التوصل إلى تسوية سياسية.
"القضايا العالقة" ما تزال تشكل عقبة أمام المؤتمر
على الرغم من أن الظروف في سوريا تغيرت بين أول جولتين من محادثات جنيف والجولة الحالية، يعتقد المحللون أن الخلافات بين الأطراف الإقليمية بشأن سوريا ما تزال على حالها.
إذ أنه من الناحية السياسية، فالانقسام بين المعارضة والحكومة، واللاعبين الإقليميين وحروب المصالح، لم يتغير كثيرا.
وقد ساءت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، بعد أن أعدمت السلطات السعودية رجل دين شيعي بارز، وهو الأمر الذي أثار غضب طهران وعموم الطائفة الشيعية.
واعتبر المراقبون أن مثل هذا التوتر يشكل عقبة في طريق الحل السوري، وسينعكس سلبا على محادثات جنيف 3، لاسيما أن إيران تدعم نظام الرئيس بشار الأسد في حين تدعم الرياض المعارضة المسلحة المناهضة له.
ويقول محللون أيضا إن خارطة الطريق التي اعتمدت مؤخرا لم تتطرق إلى تفاصيل الحل، إذ أنها لم تحدد مثلا من سيقود الجيش والمخابرات خلال الفترة الانتقالية في سوريا، فكلا الطرفين النظام والمعارضة يسعيان للسيطرة على مثل هذه المؤسسات المهمة.
وتساءل المراقبون هل يمكن للمعارضة المسلحة أن تساند الجيش السوري في محاربة الإرهاب ، وسط انعدام كبير للثقة بين الطرفين المتحاربين.
كما تم تجاهل الحديث في محادثات فيينا الأخيرة عن التفصيل الأكثر أهمية، ألا وهو مصير الرئيس الأسد ودوره في مستقبل سوريا.
أما من الناحية العسكرية، فإن هناك عدة مسائل، أولها ما يتعلق بانقسام المجتمع الدولي حول تحديد الجماعات الإرهابية في سوريا، وهذه قضية شائكة لم يتم حلها قبل بدء المحادثات الحالية، فضلا عن أن بعض القوى الإقليمية تدعم عدة جماعات متمردة في سوريا، ما يجعل التوصل إلى لائحة موحدة للجماعات الإرهابية أمرا غير سهل.
وقال محللون إن الاتفاق على التوصل لوقف إطلاق النار في سوريا ما يزال محل شك أيضا، معتبرين أنه أصعب مما يبدو، وخاصة أن صيغة التوصل لهذا الوقف ما تزال غير واضحة.
ومن جانبه قال عصام سامر، وهو محلل سياسي سوري آخر، لوكالة (شينخوا) إن خريطة السيطرة الميدانية في سوريا آخذة في التغير بشكل سريع أيضا، مشيرا إلى أن الجيش السوري يتقدم بشكل ملحوظ في عدة مناطق وجبهات، وخاصة مع شنه مؤخرا عمليات عسكرية في العديد من المناطق التي يسيطر عليها متمردون وخاصة في عدة محافظات سورية رئيسية، كما هو الحال في اللاذقية (غرب سوريا) ، وحلب (شمالا) ، ودرعا في الجنوب.
وأضاف سامر أن الساحة السورية تشهد معاركا ضارية على جميع الجبهات بين الأطراف المتحاربة من أجل تحقيق مكاسب ميدانية بغية تمكين مواقفهم في اجتماع جنيف.
إضافة إلى كل ما سبق، فإن إحدى القضايا الرئيسية التي بقيت على حالها، هي الانقسام بين جماعات المعارضة، والذي ترجم إلى شقاق بين جماعات المعارضة السياسية وعشرات من الجماعات المتمردة على الأرض، كما أن غياب التنسيق فضلا عن تنامي الصراع بين فصائل المعارضة يجعل من الصعب عليها أن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه أي صفقة في المستقبل.
مبعوث الأمم المتحدة لسوريا يلتقي بوفدي الحكومة والمعارضة على نحو منفصل الإثنين |
تحليل إخباري: الضغوط الدولية تجبر المعارضة السورية على المشاركة في مؤتمر جنيف 3 |