غزة 15 ديسمبر 2016 (شينخوا) يودع الفلسطينيون عام 2016 المنقضي بإخفاقات جديدة في تحقيق مصالحة داخلية تنهي انقسامهم الداخلي المستمر منذ تسعة أعوام ويجمع مراقبون على أنه أضعف فرص حل قضيتهم.
وبدأ الانقسام الفلسطيني الداخلي منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة بالقوة بعد جولات اقتتال مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
وفشلت عدة تفاهمات أغلبها برعاية عربية على مدار الأعوام الأخيرة في حل الخلافات بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحماس.
"لقاءات متقطعة دون اختراق"
وكان العام المنقضي الأضعف في سياق عقد لقاءات ثنائية بين الحركتين ضمن مساعي تحقيق المصالحة في وقت يحذر فيه مراقبون من تكرس الانقسام الداخلي أفقيا وعموديا وتباعد الفرص الجدية لإنهائه.
ويبرز المحلل السياسي من غزة طلال عوكل واقع تراجع مساعي تحقيق المصالحة الداخلية حتى عن اهتمامات الرأي الفلسطيني بسبب "خيبة الأمل المتكررة" من عدم تنفيذ الاتفاقات السابقة وتفاقم الخلافات بدل انحسارها.
ويقول عوكل، إن التراجع المستمر في التفاؤل بالقدرة على إنهاء الانقسام الفلسطيني طبيعي في ظل عدم حصول أي تغيير في رؤية فتح وحماس لتحقيق المصالحة وتمسك كل طرف بما لديه من سلطة.
ويضيف أن العقبة الأبرز في مساعي تحقيق المصالحة تعود لافتقادها الدائم لوضع خارطة كاملة تقوم على الشراكة الكاملة، وليس اتفاق على خطوات مجتزأة جربت وفشلت.
ويعتبر أن العقبة الثانية تتعلق باقتصار رعاية جهود تحقيق المصالحة مؤخرا على كل من قطر وتركيا "إذ أن جهود البلدين وحدها لا تكفي لردم الهوة بين فتح وحماس بمعزل عن الدور المصري الأساس، وربما الدور الأردني كذلك".
ويشدد عوكل، على أن أي اتفاق جديد للمصالحة الفلسطينية يحتاج إلى ضمانات ورعاية عربية قوية وستكون فرص نجاحه ضعيفة من دون توفر دعم مصري حقيقي له.
وسبق لمصر أن رعت توقيع الفصائل الفلسطينية على أول اتفاق للمصالحة في مايو عام 2011، غير أن بنوده ظلت حبرا على ورق من دون تنفيذ حقيقي لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
وتراجع دور مصر في رعاية مباحثات المصالحة منذ توتر علاقاتها مع حماس إثر عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي مطلع يوليو عام 2013 وتوجيه القاهرة اتهامات لحماس بالتدخل في الشأن المصري.
واحتضنت قطر هذا العام لقاءات بحث المصالحة بين فتح وحماس أبرزها في أكتوبر الماضي عندما اجتمع الرئيس عباس مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ونائبه إسماعيل هنية.
وقبل ذلك عقدت في قطر جولتين من لقاءات بين وفدين من حماس وفتح في يونيو ومارس الماضيين لكنهما لم تخرجا بأي نتائج عملية تسمح بحدوث اختراق لحل الخلافات بين الحركتين.
بموازاة ذلك استمرت الخلافات بين الحركتين بشأن فشل تمكين حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بموجب تفاهمات بينهما منتصف عام 2014 من العمل في قطاع غزة وتوليها جديا بدء توحيد المؤسسات الفلسطينية.
كما أدى قرار قضائي بتأجيل انتخابات البلديات الفلسطينية التي كانت مقررة في أكتوبر الماضي إلى مزيد من الخلافات بين فتح وحماس وتبادل للاتهامات بشأن مسؤولية تعطيل المسار الديمقراطي.
وصدر القرار القضائي بتأجيل انتخابات البلديات عن محكمة العدل العليا بموجب دعوى اعترضت على الوضع القانوني للمحاكم في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.
وقوض ذلك تطلعات أن تكون هذه أول انتخابات موحدة بين الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية وحماس منذ سيطرة الأخيرة على قطاع غزة وبدء الانقسام الفلسطيني الداخلي.
"تأثير مؤتمر فتح"
شهد شهر نوفمبر الماضي انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة فتح في مدينة رام الله وانتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري للحركة، وتخلله أجواء إيجابية في العلاقات بين بينها وبين حماس.
إذ أن حماس سمحت بمغادرة أعضاء فتح في قطاع غزة للمشاركة في أعمال المؤتمر السابع، كما أن وفدا منها حضر مراسم افتتاحه ووجه كلمة باسم مشعل أكد فيها جاهزية الحركة لاستحقاقات الشراكة الكاملة مع فتح.
غير أن مدير مركز (مسارات) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري يعتبر أنه "لا يجب التعويل كثيرا" على هذه الأجواء الإيجابية التي ظهرت بين الحركتين في إحداث اختراق جدي في ملف المصالحة.
ويرجع المصري ذلك، إلى أن عباس أعاد خلال خطابه في المؤتمر السابع لفتح طرح موقفه السابق المنادي بالاحتكام للانتخابات العامة كحل رئيس لأزمة الانقسام الفلسطيني.
ويرى أن هذا الطرح "يعكس عدم جدية وتكرار ما سمعناه وشاهدناه طوال السنوات السابقة من تجاهل لأهمية توحيد المؤسسات خصوصا الأمنية، والتوافق على برنامج سياسي وطني وأسس الشراكة السياسية قبل الذهاب للانتخابات".
ويتساءل المصري هنا "هل إذا جرت الانتخابات وفقا لما طالب به عباس وفازت حماس ستسلم لها فتح مقاليد الأمور والعكس صحيح؟، وإذا سلمنا جدلا أن هذا يمكن أن يحدث، فهل ستسمح إسرائيل لحماس بقيادة السلطة قبل أن تلتزم بالالتزامات الأمنية والسياسية والاقتصادية؟".
"التوقعات والعقبات"
أكد المؤتمر السابع فتح على ضرورة إنهاء الانقسام الداخلي، ودعا في أبرز توصياته إلى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير خلال مهلة ثلاثة أشهر.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من رام الله رجب أبو سرية، أن هذا التوجه "يعكس أن القيادة الفلسطينية مهتمة فعليا بترتيب الأوضاع الداخلية في محاولة منها لتعزيز الموقف في مواجهة استحقاقات العام المقبل".
ويشير أبو سرية، إلى أنه بعد إتمام انتخابات فتح الداخلية هناك ترتيبات لإجراء انتخابات حماس الداخلية وذلك يمكن أن يشكل منعرجا للمصالحة على أساس الشراكة في الحكم من خلال تقاسم مناصب السلطة والمنظمة.
ويرى أن انعقاد المجلس الوطني يمكن أن يكون مدخلا للمصالحة حتى تضمن حماس شراكة فتح في المنظمة قبل أن ترفع يدها عن غزة والبحث جديا لتقاسم وتوازن في الشركة بين الحركتين.
ويوضح أبو سرية، أن ضمانة مثل هذه التوقعات بانفراجة للمصالحة أنها ستأتي بعد انتخابات داخلية لحركتي فتح وحماس بحيث تظهر بأنها تنفيذ لإرادة قاعدة الحركتين، لكنه يؤكد أن "المجموعات العسكرية في غزة والسيطرة على الملف الأمني ستبقي هي التحدي الأبرز لأي مصالحة".