بقلم سـامى القمحـاوى (الصحفي من جريدة الأهرام)
تختلط الحقيقة بالأسطورة فى نسج فصول تاريخ التبت، لكن الثابت أن زواج ملك التبت سونج تسان قان بو من الأميرة ونتشينج، ابنة الإمبراطور لى شى مين من أسرة تانغ الملكية، عام 604م كان أول توثيق للعلاقات بين الصين والتبت، وأن الأميرة الجميلة حملت إلى التبت أنواعا جديدة من بذور المحاصيل، وعلمت التبتيين كيف يزرعونها، كما جلبت حيوانات لم يكونوا يعرفونها.
هذه القصة يتم تقديمها فى عمل مسرحى ملحمى بالتبت، يُعرض على مسرح مفتوح فى حضن الجبال، ويشارك فيه آلاف الممثلين، وتُستخدم الديكورات الضخمة والأضواء المبهرة، ليقدم الرواية كما لو كانت واقعا حيا، لدرجة أن مخرج العرض يستعين بمئات الحيوانات من خيول وأبقار وماعز وأغنام، والتى تظهر على خشبة المسرح خلال العرض الذى يستغرق ساعة ونصف، ويتم تقديمه باللغة التبتية مصحوبا بترجمة للإنجليزية والصينية على شاشتين عملاقتين يستطيع الجمهور رؤيتهما بوضوح.
ويقدم العرض معاناة الأميرة فى طريقها من قصر الإمبراطور الصينى إلى هضبة التبت، وما واجهته من مصاعب تمثلت فى الجبال والأنهار والمناطق الوعرة، كما يقدم العرض الحكايات الأسطورية، ومنها أن الإمبراطور لي شي مين سك نموذجين للشمس والقمر من الذهب والفضة ليصحبا الأميرة ونتشينج خلال رحلتها، ومنحها مرآة سحرية، كانت كلما نظرت فيها تتمكن من رؤية عاصمة حكمه وقصره، حتى لا تشعر بالغربة وفقد الأهل.
وتواصل الأسطورة أنه بعد وصول الأميرة للتبت تحولت المرآة السحرية إلى بحيرة تشينغهاى الجميلة، وأصبح نموذج الشمس والقمر جبل الشمس والقمر.
ويذكر التاريخ أن دخول الأميرة ونتشينغ إلى مملكة توفان (التبت) لعب دورا كبيرا في دفع التطور الاقتصادي، حيث استقدم ملك التبت الحرفيين من الصين لتعليم التبتيين أعمال الصناعة والبناء، كما ساهم ذلك الزواج فى توسيع انتشار البوذية، التى كانت شائعة في عهد أسرة تانغ الملكية، ووافق سونج تسان قان بو على اقتراح من الأميرة لبناء معبد داتشاو بمدينة لاسا.
وتذكر الروايات التاريخية أن ملك التبت أحب زوجته الأميرة ونتشينغ كثيرا، لدرجة أشعلت غيرة زوجاته الأخريات، فقرر أن يبنى لها قصرا، فكان قصر بوتالا، الذى صار بعد ذلك مقرا للدالاى لاما، أو الزعيم الروحى وحاكم التبت السياسي، وقد عاشت الأميرة في هذا القصر لفترة، ومازالت هناك آثارا باقية من غرفتها، وجداريات مرسومة على بعض الحوائط لتسجيل رحلتها من الصين إلى مملكة التبت.
ويستشهد الصينيون بهذه القصة التاريخية للتأكيد على أن العلاقات بين الصين والتبت ليست حديثة العهد، وإنما تمتد لأكثر من ألف عام، وأنها ستتواصل باعتبار مقاطعة التبت ذاتية الحكم جزءا من الأراضى الصينية.
المصدر: الأهرام