ARABIC.NEWS.CN

الخرطوم 28 مايو 2024 (شينخوا) ينتاب الطفل السوداني أحمد آدم شعور مستمر بالخوف والتوتر بسبب الحرب المتواصلة في بلده منذ أكثر من عام، والتي تركت تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة على شريحة الأطفال.
وقال آدم (11 عاما)، وهو يقطن حي الإنقاذ بجنوبي الخرطوم، لوكالة أنباء ((شينخوا))، "أنا كطفل أعاني بسبب الحرب، لا أذهب للمدرسة منذ أكثر من سنة، أفتقد مدرستي.. أفتقد زملائي".
وأضاف "أنا أسكن حي الإنقاذ.. كل يوم هناك قصف وأصوات مدافع.. أشعر بالخوف المستمر وأختبئ أنا وأخوتي تحت السرير وداخل دولاب الملابس".
وتابع "نعاني من الحرب وتنعدم كل الأشياء، لا شبكة اتصالات ولا كهرباء ولا مياه شرب، أذهب إلى مناطق بعيدة لجلب الماء ومساعدة أسرتي، هذه حياة صعبة".
-- أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم
ووفقا لإحصاءات أممية، يواجه السودان أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم بما يقرب من أربعة ملايين طفل.
وتقول السلطات السودانية الرسمية إن نحو ثمانية ملايين طفل تأثروا بالحرب الدائرة في ولايتي الخرطوم والجزيرة وإقليمي كردفان ودارفور غربي السودان.
وقال الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان (حكومي) الدكتور عبد القادر عبد الله أبو إن "هناك نحو ثمانية ملايين طفل تأثروا بالحرب في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور".
وأضاف أبو في تصريح لـ ((شينخوا)) "يتمثل تأثر الأطفال في الانقطاع عن التعليم، والافتقار إلى خدمات الصحة، وتأثيرات النزوح واللجوء، وسوء التغذية والتجنيد القسري".
وأوضح أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن قوات الدعم السريع قامت بتجنيد نحو 15 ألف طفل بمناطق سيطرتها في العاصمة الخرطوم.
ويشهد السودان منذ منتصف أبريل 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلفت نحو 13100 قتيل، وفق الأمم المتحدة.
فيما تشير أحدث إحصائية لموقع ((ACLED))، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة وتحليلها، إلى مقتل أكثر من 15550 شخصا منذ اندلاع القتال في السودان.
وتسبب النزاع أيضا في فرار نحو 8.8 مليون شخص من منازلهم بينهم نحو 6.8 مليون شخص نزحوا قسرا داخل البلاد، فيما عبر نحو مليوني شخص الحدود إلى دول مجاورة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في السودان (أوتشا).
-- عواقب نفسية واجتماعية
وقال أبو إن هناك أبعادا نفسية واجتماعية سلبية للحرب على شريحة الأطفال الذين يعيشون ويلاتها وما خلفته من دمار، محذرا من أن هذه المشاهد القاسية سيكون لها أثر عميق على نفسية الأطفال في المستقبل.
ويشعر السوداني إيهاب هاشم (38 عاما) إن بوادر اضطرابات نفسية بدأت تظهر على أطفاله نتيجة أصوات القصف المستمر حيث يسكن بمنطقة المجاهدين جنوبي الخرطوم.
وهاشم هو أب لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين أحد عشر عاما وأربعة أعوام.
وقال هاشم "عندما تدوي أصوات المدافع أو تقصف الطائرات الحربية يتعالى صياح أطفالي ويختبئون تحت الأسرة والكراسي".
وأضاف "أصبح نومهم متقطعا بصورة ملحوظة، وحتى أثناء النوم يصرخون ويرتجفون.. من الواضح أن هناك اضطرابات نفسية بسبب الخوف الشديد".
ويفكر هاشم بصورة جادة في النزوح إلى أي منطقة آمنة داخل السودان خوفا على أطفاله، وقال "كنت مصرا علي البقاء بمنزلي رغم خطورة ذلك، لكني لم أعد أحتمل ما يصيب أطفالي من قلق وخوف".
وأضاف "نفكر حاليا في الخروج إلى ولاية القضارف شرقي السودان لأن لنا أقارب هناك.. أريد أن تنتهي هذه الآثار السالبة على نفسية أطفالي".
وينبه اختصاصي الطب النفسي الدكتور عبد الله يعقوب إلى أن هناك تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة على شريحة الأطفال في السودان بسبب الحرب.
وقال يعقوب إن "الحرب أصابت أعدادا كبيرة من الأطفال بالخوف والكوابيس والمعاناة النفسية، وهذه آثار بالغة ربما تستمر أعراضها مستقبلا، مما يتطلب تعاملا خاصا سواء من قبل الأسرة أو المؤسسات المتخصصة".
وتابع "يحتاج الأطفال إلى الدعم النفسي من قبل الأسرة، وإظهار التماسك وعدم إظهار الخوف أو القلق، كما يجب على مؤسسات الرعاية الاجتماعية تقديم إرشادات للأسر حول كيفية تقديم الدعم النفسي اللازم للأطفال".
-- إعادة تأهيل وعلاج للصدمات
ويواجه الأطفال الفارون من الحرب سواء في مناطق النزوح بالداخل أو اللجؤ بالخارج واقعا مأساويا بسبب نقص المأوى والغذاء وشبح الموت بالأمراض والأوبئة.
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن ما يزيد على 600 ألف طفل سوداني عبروا إلى البلدان المجاورة.
ووصفت سعدية الرشيد، وهي ناشطة سودانية وصاحبة مبادرة (أنقذوا الجنينة) التي تنشط داخل معسكر للاجئين السودانيين بمدينة ادري التشادية على الحدود مع السودان، واقع الأطفال بالمعسكر بأنه "مأساوي للغاية".
وقالت سعدية إن "أكثر فئة تعاني من الحرب هي فئة الأطفال، فقد خرجوا من بيئتهم الآمنة ومن منازلهم ومن مدارسهم، وتعرضوا لصدمات نفسية بسبب ويلات ما شاهدوه".
وتابعت "في معسكرات اللجوء وخاصة في معسكر ادري بدولة تشاد، لجأ الأطفال إلى المعسكر بعد مذابح حدثت في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، ولكن للأسف لم يخرج هؤلاء الأطفال لظروف أفضل، فالمعسكر بيئة غير صالحة وغير آمنة للأطفال، مما أثر نفسيا على الأطفال اللاجئين".
وأنشأت مبادرة (أنقذوا الجنينة) مركزا لعلاج الصدمات للأطفال داخل معسكر ادري للاجئين السودانيين.
وقالت سعدية إن "هذه من الأنشطة المطلوبة في ظل الوضع الراهن باعتبار أن الأطفال يحتاجون إعادة تأهيل وعلاجا للصدمات التي تعرضوا لها".
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، من المتوقع أن يعاني نحو 3.5 مليون طفل من سوء التغذية الحاد هذا العام، بما في ذلك أكثر من 700 ألف طفل من المتوقع أن يعانوا من سوء التغذية الحاد الوخيم ويحتاجون إلى علاج متخصص ومتواصل ومنقذ للحياة.
كما يعاني السودان الآن من واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية في العالم، حيث لا يتمكن أكثر من 90% من الأطفال في سن المدرسة، البالغ عددهم 19 مليون طفل، من الوصول إلى التعليم الرسمي، وسيؤدي التعطيل المستمر للتعليم إلى أزمة أجيال في السودان، وفقا لليونيسيف.