بكين 17 أكتوبر 2015 (شينخوا) بعد طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل عامين لمبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21" والمعروفة اختصارا باسم "الحزام والطريق"، صار تجسيد هذه المبادرة الطموحة على أرض الواقع يمثل امتدادا وتوثيقا للتعاون الصيني-العربي
فقد أظهرت الإحصاءات الرسمية أن التجارة الخارجية للصين تعود تدريجيا بمنافع على الدول الواقعة بطول "الحزام والطريق"، إذ بلغ حجم الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في الدول الواقعة على "الحزام والطريق" خلال الأرباع الثلاثة الماضية من العام الجاري 12.03 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 66.2%، وهو ما يعادل 15.3% من إجمالي الاستثمارات الصينية المباشرة غير المالية في الخارج ليصبح هذا النوع من الاستثمارات بمثابة قوة دافعة جديدة لنمو التجارة الخارجية للصين.
وفي هذا الصدد، تتقاسم الصين والدول العربية تدريجيا الاستفادة من مبادرة "الحزام والطريق" وتعملان على مواصلة تجسيدها، ولاسيما في مجال تعاونهما في القدرة الإنتاجية. فالصين والدول العربية تتكاملان في القدرة الإنتاجية وتتمتعان بأسس متينة في تعاونهما. وما يبرهن على ذلك أنه في الأعوام العشرة الماضية، تضاعفت التجارة بين الصين والدول العربية بواقع 9 مرات وعقود المقاولات الصينية الجديدة في الدول العربية بواقع 13 مرة والاستثمارات المباشرة غير المالية للصين في الدول العربية بواقع 122 مرة.
وتعد الصين الآن ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي ككل، وأكبر شريك تجاري لتسع دول عربية، وسوقا مهما للاستثمارات والمقاولات الخارجية في الوطن العربي. وها هي تزيد على نحو تدريجي من قوتها في القدرة الصناعية في المرحلة الحالية، إذ يحتل 220 من بين أكثر من 500 نوع من منتجاتها الصناعية الرئيسية المرتبة الأولى عالميا، بل وبدأ قدر كبير من قدرتها الإنتاجية المتميزة يخطو خارج عتبة الصين ليدخل السوق العالمية.
وفي الوقت ذاته، تمر الدول العربية بمرحلة حاسمة من عملية تصنيع، ومن ثم توجد إمكانات ضخمة للتعاون بين الصين والدول العربية في هذا المجال. ونظرا لإمتلاك الدول العربية لحجم بنية تحتية يقدر بـ4 تريليونات دولار أمريكي وكونها أكبر مورد للنفط وسابع شريك تجاري بالنسبة للصين، يأتي التعاون الصيني-العربي في القدرة الإنتاجية في حينه تماما. وترسى مبادرة "الحزام والطريق" من ناحية أسسا قوية ومتينة لتعميق التعاون الودي بين الصين والأقطار العربية، وتفتح من ناحية أخرى نافذة فرصة تاريخية تقود نمو العلاقات الصينية- العربية.
وقد بدأت بعض الدول العربية تحركاتها بالفعل. فعلى سبيل المثال، يجرى الأردن مناقشات مع الدول المجاورة له لإقامة مشروعات كبيرة مثل إنشاء أنابيب نفط تربط بينه وبين مدينة البصرة العراقية وإقامة خط سكك حديدية يربط بينه وبين الدول المجاورة ويمتد إلى جنوب أوروبا، وما شابه ذلك. ويمكن أن تصبح مثل هذه المشروعات جزءا من إستراتيجيات "الحزام والطريق" الصينية.
وفضلا عن ذلك، انضمت بعض الدول العربية إلى البنك الآسيوي للاستثمارفي البنية التحتية الذي اقترحت الصين فكرة إنشائه لتعزيز تحسين البنية التحتية الآسيوية والترابط والتعاون الإقليميين، ومن الطبيعي أن تساعد هذه المؤسسة المتعددة الأطراف والمنشأة حديثا تساعد الدول العربية في تعزيز التنمية السلمية في المنطقة العربية.
ومن ناحية أخرى، بإمكان الدول العربية توطيد تعاونها مع الصين والاستفادة من الخبرات التي اكتسبها ثاني أكبر اقتصاد في العالم على مدار السنوات الماضية في إنشاء نمط تنموي جديد تدفعه الطاقة الجديدة، وبناء شركات مواكبة للتطور في العصر الحديث، وتحديث السوق المالية وفتحها، وغير ذلك من أوجه الاستفادة.
فقد ذكر تشاو لي جيون، النائب الدائم لرئيس غرفة البيئة بالاتحاد الوطني الصيني للصناعة والتجارة أن النهج الذي تتبعه بعض الدول العربية في الكثير من المجالات مثل البيئة يعد مماثلا لما اتبعته الصين في السنوات الأخيرة، لافتا إلى أن الأفكار الصينية في هذا الصدد ملائمة تماما نظرا لكون خبرات الشركات الصينية في هذا المجال أكثر مباشرة وقابلية للتطبيق عند مقارنتها بخبرات نظيراتها الأوروبية والأمريكية.
وتابع قائلا إنه علاوة على خبراتها الوافرة، تحظى الشركات الصينية بميزات من حيث الأسعار فضلا عن استقرار العلاقات السياسية بين الصين والدول العربية، مستشهدا بما ذكره بعض الدبلوماسيين العرب عن أن لديهم انطباعات جميلة عن الصين التي تتسم بالوسطية والحيادية والإنصاف.
وتضع الصين دائما، أثناء دفعها التعاون العالمي في القدرة الإنتاجية، مخاوف واحتياجات الدول العربية في اعتبارها حتى يصب التعاون في صميم مصلحة الجانبين, وما تقدمه الصين من قدرات إلى الدول العربية هي قدرة إنتاجية متميزة ومتقدمة وخضراء تلبى احتياجات الدول العربية في عملية التصنيع.
وليس هناك أدنى شك في أن التعاون الصيني- العربي في القدرة الإنتاجية سينتج محصولا وفيرا من الفوائد التي ستجنيها الشعوب العربية، إذ أن نقل القدرة الإنتاجية المتميزة والكثيفة العمالة -- مثل صناعة المنسوجات والصناعات الخفيفة -- إلى الدول العربية وكذا سلسلة من المشروعات السريعة والفعالة في تطبيقها في هذه البلدان الصديقة، سيساعد بشكل فوري في الحل الجزئي لمشكلة البطالة في بعض البلدان العربية. فعلى سبيل المثال، خلقت مشروعات الألياف الزجاجية التي أقامتها شركة (جيوشي) الصينية في مصر أكثر من 800 فرص عمل هناك، وتعتزم الشركة ضخ استثمارات تقدر بـ300 مليون دولار أمريكي مستقبلا في مصر لإقامة أكبر خط إنتاج في إفريقيا ينتج 200 ألف طن سنويا، لتسهم بذلك مساهمة أكبر في معالجة مشكلة البطالة المصرية.
وبينما يدخل اقتصاد الصين مرحلة "الوضع الطبيعي الجديد"، لا بد للتجارة الخارجية الصينية من توديع "نموها الخارق". فالصين، التي تعد محركا رئيسيا لنمو الاقتصاد العالمي، تسعى إلى إنشاء نظام اقتصادي جديد منفتح لدفع التعديل الهيكلي للتجارة الخارجية التقليدية. ومن ثم، قد تنخفض سرعة نمو الصين، غير أن هيكل اقتصادها سيزداد قوة وتحسنا. كما سيدفع هذا التعديل التكامل بين التجارة الداخلية والخارجية، وبالتالي سيسهم في استمرارية وصحة اقتصادي الصين والعالم وسيصب أيضا في صالح التعاون بين الصين والدول العربية.