بكين 23 ديسمبر 2015 (شينخوا) دخلت علاقات الصين مع أمريكا اللاتينية وأفريقا عهدا جديدا من التعاون المربح لجميع الأطراف فى 2015، والذى أصبح نموذجا للتعاون بين بلدان الجنوب وساعد فى بناء عالم أكثر تعددية.
ويتمثل الارتقاء بهذه العلاقات فى قمتين تم عقدهما فى بداية ونهاية هذا العام.
فى 8-9 يناير، عقد الاجتماع الوزارى الأول لمنتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى فى بكين، ليمثل بداية عهد جديد يتميز بالتعاون الشامل بين الجانبين.
وفى 4-5 ديسمبر، عقدت القمة الثانية لمنتدى حول التعاون الصينى الأفريقى فى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا لتبعث برسالة قوية للعالم بأكمله تقول إن الصين وأفريقيا يبذلان جهودهما من أجل تعاون مربح للطرفين وتنمية مشتركة.
--التعاون بين الصين وأمريكا اللاتينية
أظهر أول اجتماع وزارى لمنتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى أن التعاون الشامل بين الصين وأمريكا اللاتينية أصبح حقيقة وأن العلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية دخلت مرحلة جديدة تتسم بالتنمية المشتركة والتعزيز المتبادل للتعاون الثنائى والشامل، حسبما ذكر يين هنغ مين الممثل الخاص للحكومة الصينية لشئون أمريكا اللاتينية فى ندوة عقدت فى شانغهاى فى نوفمبر.
قال يين إن "منتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى حقق نتائج سارة مبكرا، ليضع أساسا قويا لتنمية طويلة الأمد للتعاون الشامل بين الصين وأمريكا اللاتينية".
وفى الاجتماع الوزارى الأول لمنتدى الصين والمجموعة ، وافق الجانبان على ثلاث وثائق رئيسية-- خطة خمسية للتعاون وإعلان بكين وقواعد بشأن منتدى الصين ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى.
وتشمل الخطة (2019-2015) إجراءات محددة للتعاون الشامل بين الصين وأمريكا اللاتينية ، يغطى الشئون السياسية والأمنية والتجارية والاستثمارية والمالية والبنية الأساسية والطاقة والموارد والصناعة والزراعة والعلوم والتبادلات الشعبية.
ومن بين هذه الإجراءات ، على الجبهة السياسية، ستدعو الصين 1000 من قادة الأحزاب السياسية من أعضاء المجموعة لزيارة الصين.
ويبذل الجانبان جهودهما من أجل تحقيق تجارة يقدر حجمها ب500 مليار دولار أمريكى واستثمارات لا تقل عن 250 مليار دولار خلال عقد.
وتعهدت الصين ب تقديم 6 آلاف منحة دراسية لطلبة وعلماء من أعضاء المجموعة من 2015 الى 2019 وسوف تساعد على تنظيم دورات لتعليم اللغة الصينية فى المدارس الابتدائية والإعدادية.
ووفقا لإعلان بكين فإن الصين والمجموعة ستعملان على التنسيق بشأن القضايا العالمية الهامة الى جانب العمل فى وضع السياسات متعددة الأطراف مع زيادة التبادلات بين الهيئات التشريعية والحكومات والشباب.
وقد حظى مثل هذا التعاون بين الجانبين بإشادة المسئولين والخبراء.
"لقد أصبح الوقت مناسبا لدول أمريكا اللاتينية والكاريبى للقيام بقفزة نوعية فى علاقاتها مع الصين" حسبما قالت أليشيا بارسينا السكرتيرة التنفيذية للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأمريكا اللاتينية والكاريبى لوكالة أنباء ((شينخوا)).
قالت بارسينا إن خطة التعاون "خطوة هامة وضرورية" من حيث تبادل الخبرات فى تعزيز التنمية المستدامة حيث أنها " تحدد اطار عمل مؤسسيا وخطوطا عامة مرشدة".
ومن الممكن أن تكون مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى ، وهى كتلة تتكون من 33 دولة فى أمريكا اللاتينية والكاريبى، منصة لتعزيز التعاون بين الصين والمنطقة، وفقا لبارسينا.
وقال نائب الرئيس الاكوادورى جورج جلاس الذى تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمجموعة لـ((شينخوا)) فى أوائل شهر ديسمبر إن الصين والمجموعة بإمكانهما مساعدة المنطقة للتحول من كونها مجرد منتجة للمواد الخام الى مصنعة للسلع ذات القيمة المضافة.
وقال ايفاندرو كارفالهو الباحث بمؤسسة جيتوليو فارجاس ، بيت الخبرة البرازيلى للسياسة العامة إنه "حتى اذا كانت أمريكا اللاتينية تمضى فى طريق صعب على الجبهة الاقتصادية، حيث تواجه بعض الدول ومن بينها البرازيل ركودا، فإن العلاقات مع الصين من الممكن أن تكون مثمرة".
وأضاف أن مشروعات البنية الأساسية مثل خط السكة الحديدية بطول 5 آلاف كم الذى يربط بين ساحلى الأطلنطى والباسيفيك فى أمريكا اللاتينية عن طريق البرازيل وبيرو، سيحسن اقتصاد الدول المعنية, ما يساعد فى التغلب على الأزمة ويعزز العلاقات مع الصين.
--الشراكة الصينية الأفريقية
وافقت الصين والدول الأفريقية فى منتدى التعاون الصينى الأفريقى على الارتقاء بعلاقاتهما الى شراكة تعاون استراتيجية شاملة والتعاون على الدخول فى عهد جديد من التعاون المربح للجانبين والتنمية المشتركة.
ومن أجل تحويل هذا الاقتراح الى نتائج ملموسة، دعا الرئيس الصينى شى جين بينغ فى خطابه الهام فى الجلسة الافتتاحية للقمة، إلى بذل جهود منسقة لتعزيز "خمس ركائز أساسية" وأعلن 10 خطط رئيسية لدفع التعاون الذي تغطى مجالات الصناعة وتحديث الزراعة والبنية الأساسية والخدمات المالية والتنمية الخضراء والتجارة وتسهيل الاستثمارات والحد من الفقر والرعاية العامة والصحة العامة والتبادلات الشعبية والسلام والأمن.
وأعلن شى أن الصين ستقدم تمويلا بقيمة 60 مليار دولار أمريكى لدعم التنفيذ السلس للمبادرات.
وقال رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كادريه ديزيريه أويدراوجو لـ((شينخوا)) "لقد تأثرنا كثيرا بكلمة الرئيس شى، لأنها تقدم اقتراحا ملموسا وخريطة طريق للتعاون بين الصين وأفريقيا".
وأضاف أن مجالات التعاون العشرة تتوافق مع الأولويات فى أفريقيا، مضيفا "نعتقد أنها نقطة البداية لتعاون ناجح للغاية بين الصين وأفريقيا".
وقد عزز الاجتماع التاريخى الذى وافق على إعلان وخطة عمل للتعاون فى الأعوام الثلاثة القادمة، التضامن والتعاون وسيوجه العلاقات المستقبلية بين الصين وأفريقيا، حسبما ذكر وزير الخارجية الصينى وانغ يى.
نموذج للتعاون بين بلدان الجنوب
أصبحت العلاقات التي طورتها الصين مع أمريكيا اللاتينية وأفريقيا نموذجا للتعاون بين بلدان الجنوب الذي يرتكز على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.
أولا، تعتبر الصين ودول أمريكا اللاتينية وأفريقيا بعضهما البعض شركاء متساويين.
وقال شي في الجلسة الافتتاحية لأول اجتماع وزاري لمنتدى مجموعة دول أمريكيا اللاتينية والكاريبي في شهر يناير إن "جميع دول مجموعة أمريكا اللاتينية والكاريبي, سواء كانت غنية أو فقيرة، متساوية في إطار عمل المنتدى."
وقال وزير خارجية الاكوادور, ريكاردو باتينو إن الصين أظهرت رغبتها في تأسيس علاقات على أساس الاحترام المتبادل.
وأضاف باتينو "أنها أظهرت بالطريقة التى تتعاون بها مع دول أمريكا اللاتينية، أنها ليست قائمة على شروط لكنها تتسم دائما بالاحترام."
ووصف شي الصين وأفريقيا في قمة جوهانسبرج بأنهما تتمتعان بعلاقات صداقة وشراكة وإخوة جيدة ومستقبل مشترك, قائلا إن الجانبين كانا دائما مجتمعا ذا مصير مشترك ولديهما خبرات تاريخية متشابهة ولدت علاقات صداقة عميقة بين شعوبهما.
وقال شي "إن الصين تلتزم بقواعد الإخلاص والنتائج العملية والألفة والثقة التامة وتتمسك بقيم الصداقة والعدل والمصالح المشتركة في علاقاتها مع إفريقيا."
وقال جيريشون إيكيارا, محاضر في الاقتصاد الدولى في جامعة نيروبي، إن الصين تعاملت مع دول إفريقية "بطريقة أكثر ودية بدون تمييز على أساس سياسات البلاد السياسية او الاقتصادية أو ظروفها."
ثانيا, ترتكز علاقات الصين مع الدول النامية على أساس المنفعة المتبادلة.
وقال وانغ إنه " خلال التعاون مع الدول النامية ستأخذ الصين في اعتبارها حاجتها للتنمية الذاتية .. وليس التجارة والاستثمار فقط أو مجرد بيع الموارد والطاقة لمرة واحدة."
وقال كارفالهو, الخبير البرازيلي إن "الصين لديها مصالح استراتيجية في أمريكا اللاتينية, وهى منطقة تنتج وتصدر كمية كبيرة من المنتجات الغذائية والسلع."
وأضاف الخبير أن " هذا الاهتمام الكبير تظهره حقيقة أنه خلال عامين زار الرئيس شي ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ أمريكا اللاتينية وشاركا في قمم رفيعة المستوى."
واقترح لي خلال زيارته إلى أمريكا اللاتينية في شهر مايو نموذجا جديدا للتعاون في الطاقة الانتاجية يسمى "ثلاثة فى ثلاثة" ويعني البناء المشترك لثلاث طرق للامدادات اللوجستية والطاقة الكهربائية والمعلومات, والاستغلال الكامل للتفاعل بين ثلاثة كيانات من القطاع الخاص والمجتمع والحكومة واستخدام ثلاث قنوات مالية من بينها التمويل والقروض الائتمانية والتأمين.
وقال وانغ إن نموذج "ثلاثة فى ثلاثة" لا يلبى فقط احتياجات أمريكا اللاتينية, ولكن سيؤدى لفتح قنوات جديدة للتعاون رفيع المستوى بين الصين ودول نامية أخرى, وخاصة الكيانات الاقتصادية الناشئة, ما يؤدى لبدء حقبة جديدة من التعاون بين بلدان الجنوب.
ونالت التدابير التي أعلنها شي في قمة منتدى التعاون بين الصين وأفريقيا في جوهانسبرج في بداية شهر ديسمبر أيضا استحسان الدول الأفريقية.
وقال وزير خارجية ليسوتو تلوهانغ سيخاماني, إن "الدول الأفريقية في حاجة شديدة للتدابير التي أعلنها شي. ومن الواضح أن الصين تريد أن تكون شريكا يتطلع للتعاون مع أفريقيا وتسعى للحصول على فرص لتعاون متبادل النفع حقيقي وليس السعى من أجل الهيمنة."
وبالإضافة إلى ذلك، يرحب التعاون بين الصين والدول الناشئة بأطراف ثالثة, ما يساعد على التنمية العالمية وسط التباطؤ الاقتصادي والتأثير طويل المدى للأزمة المالية في أنحاء العالم.
وقال وانغ إنه على سبيل المثال, فإن جزءا من القدرة الإنتاجية عالية المستوى التي انتقلت من الصين إلى أمريكا اللاتينية جاءت من شركات من دول متقدمة, مشيرا إلى قطع غيار رئيسية لسيارات المترو والعبارات فى البرازيل كمثال. وأضاف وانغ أن هذه يعنى أن الدول المتقدمة تعد جزءا أيضا في التعاون في قدرة الإنتاج بين الصين وأمريكيا اللاتينية بينما يواصل الطرفان تعميق علاقاتهما التعاونية.
واستطرد وانغ أن التعاون في القدرة الإنتاجية بين الصين وأمريكيا اللاتينية والذي مفتوح لأطراف ثالثة، لا يسعى فقط لتحقيق تعاون متبادل النفع للصين وأمريكا اللاتينية, ولكن أيضا من أجل سيناريو يحقق المنفعة للجميع بما فى ذلك الدول النامية والمتقدمة.
وقال ماركيلو فيرنانديز, نائب وزير خارجية الاكوادور السابق لوكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا إنه يعتقد أن تعميق الصين علاقاتها مع دول نامية أخرى يتعلق بشكل أكبر بالتعاون بين بلدان الجنوب, وليس برغبتها في الهيمنة.
وأضاف فيرنانديز أنه "لقد تركنا الاستعمار الجديد خلفنا. لا أعتقد أن التعاون بين الصين وافريقيا يمثل استعمارا جديدا. أنه ببساطة تعاون متبادل النفع."
وقال مونيني ماشاريا, محاضر دولي في الجامعة الدولية الأمريكية في نيروبي بكينيا إن "التعاون بين الصين وأفريقيا, كجزء هام وكبير في التعاون بين بلدان الجنوب، ثبت نجاحه."
وقال فيرناندو رايز ماتا, سفير شيلي السابق لدى الصين لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن أول اجتماع وزاري لمنتدى الصين ومجموعة دول أمريكيا اللاتينية والكاريبي يمثل " خطوة في تأسيس نظام عالمي جديد".
وأضاف رايز أن المنتدى يعد جزءا من مشروع بناء نظام عالمي جديد قائم على أساس "المصالح المشتركة" ولكن داخل "اطار عمل يسعى للتنوع."
وقال برونو أيلون الباحث في معهد الدراسات الوطنية المتقدمة في اكوادور إن التعاون بين الصين وأمريكيا اللاتينية يمثل "نظرة سياسية" تسعى "لعالم أكثر تعددية, حيث نجحت مراكز القوى الجديدة في تحقيق التوازن أمام هيمنة الدولة الغربية".