بكين 19 يناير 2016 (شينخوا) نشرت جريدة ((الأهرام)) المصرية اليوم (الثلاثاء) مقالة موقعة بقلم رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ تحت عنوان ((الصداقة الصينية العربية... لتتعمق مثل النيل يتدفق)) بمناسبة زيارة الدولة التى سيقوم بها الرئيس شي غد الأربعاء إلى جمهورية مصر العربية. فيما يلي النص الكامل للمقالة :
سأقوم بزيارة الدولة لجمهورية مصر العربية بناء على دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي زيارتي الأولى في الشرق الأوسط والبلدان العربية بعد أن توليت رئاسة جمهورية الصين الشعبية، كما هي زيارتي الأولى خارج البلاد في عام 2016. وسأتباحث خلالها مع الأصدقاء المصريين والعرب حول سبل تعزيز الصداقة والتعاون والتنمية، متمنيا أن تكون هذه الزيارة رحلة للصداقة والتعاون والكسب المشترك.
"مصر هبة النيل." تشربت معنى هذا القول قبل 16 عاما، لما قمت بزيارة مصر للمرة الأولى، واطلعت بعينيّ على كيفية تعامل الشعب المصري القديم مع طغيان النهر، وتحويل اندفاعه الدوري إلى الاكتساب الأساسي في الرزق، وكان ذلك قد علمني أن النيل أبو الحضارة المصرية، وأثار مني كل الإعجاب بحكمة الشعب المصري، والثناء على قوته.
ومنذ ذلك الوقت، يبقى النيل النابض المتدفق محفورا في ذهني.
اجتمعت مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في بكين لمرتين منذ أواخر عام 2014، حيث قرر جانبانا الارتقاء بالعلاقات الصينية المصرية إلى مستوى علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والدفع بهذه العلاقات إلى المسار السريع للتطور. وفي سبتمبر الماضي، حضر الرئيس السيسي الفعاليات التذكارية المقامة في بكين بمناسبة الذكرى الـ70 لانتصار حرب الشعب الصيني ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية، ممثلا عن العالم العربي، للتأكيد على المطلب المشروع بالحفاظ على نتائج الانتصار في الحرب العالمية الثانية وصيانة النظام الدولي ما بعد الحرب.
أما التبادل بين الشعبين الصديقين الصيني والمصري، فجذوره عميقة تليق بوضع البلدين كصاحبي الحضارة والتاريخ، فقد بادرت الصين، عندما كانت في عهدها الملكي "هان" قبل 2000 عام ونيف، ببعث رسلها إلى الإسكندرية، وكان طريق الحرير القديم رابطة مهمة تربط أحد الجانبين بالآخر.
وفي التاريخ الحديث، كان الشعبان الصيني والمصري يشتركان في المطالب ويجمعهما التقارب، في النضال ضد الاستعمار والهيمنة الذي كان عنوانه السائد التضامن والتساند. وجاءت المصافحة بين رئيس مجلس الدولة الراحل تشو أنلاي والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في مؤتمر باندونج، قبل أكثر من 60 عاما، وكانت اللحظة التي تماسكت فيها اليدان قد أطلقت مسيرة التعاون والتشارك للبلدين في سبيل الدفاع عن مصالح وحقوق الدول النامية الغفيرة.
وخلال هذه الـ60 سنة المنصرمة، ظلت العلاقات الصينية المصرية صامدة في وجه تقلبات الأوضاع الدولية والإقليمية وشهدت تطورا سليما ومتزنا ومستمرا، حيث تبادل الجانبان الفهم والاحترام والثقة والدعم وأجريا تعاونا مثمرا. إن الجانب الصيني يدعم حق الشعب المصري في تقرير مصير البلاد بإرادته الحرة، ويدعم جهود الحكومة المصرية في استعادة الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، ويدعم الدور الفاعل والفعال لمصر في الشؤون الإقليمية والدولية.
إن الجانب الصيني سينظر إلى العلاقات مع مصر ويطورها من الزاوية الإستراتيجية والطويلة الأمد، وإنني على استعداد لبذل جهود مشتركة مع الرئيس السيسي في تعميق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الإستراتيجي بين البلدين على نحو شامل، بما يحقق التنمية المشتركة والتقدم المشترك، ويزيد من الدور الإرشادي والنموذجي للعلاقات الصينية المصرية باعتبارها نموذجا لتعاون الجنوب- الجنوب.
تمثل العلاقات الصينية المصرية نقطة الانطلاق للعلاقات الصينية العربية وتعكس مستواها وحرارتها لكون مصر أول دولة عربية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين. وفي هذه الـ60 سنة المنصرمة، حقق التعاون الودي الصيني العربي قفزة تاريخية واكتسب خبرة وتجارب قيمة، إذ أن الجانبين يلتزمان بالاحترام المتبادل والتعامل على قدم المساواة وظلا أخوين وصديقين وشريكين مهما كانت تقلبات الأوضاع على الساحة الدولية؛ ويتمسكان بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك والتنمية المشتركة وظلا يسعيان إلى المصلحة المشتركة والتنمية المستدامة مهما كانت التغيرات التي مرت بها الأوضاع الداخلية؛ ويعملان على تعزيز الحوار والتواصل والتبادل الحضاري وظلا يحترمان النظم السياسية والطرق التنموية لدى الجانب الآخر. وعلى مدى هذه الفترة الطويلة من التواصل والتعاون، ظللنا نلتزم بمبدأ الثقة والاحترام والمنفعة والعزة المتبادلة حتى أصبحنا الأصدقاء والإخوة والشركاء الأعزاء نثق ببعضنا البعض ونعتمد على بعضنا البعض.
وفي هذه الـ60 سنة المنصرمة، حققت العلاقات الصينية العربية تطورا شاملا ونتائج مثمرة، بما في ذلك التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية الذي يبلغ عمره 11 عاما. وفي افتتاح الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في بكين عام 2014، طرحتُ الفكرة الإستراتيجية حول التشارك الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق"، وتم وضع مع الأصدقاء العرب خطوط المستقبل المشرق للعلاقات الصينية العربية في السنوات العشر القادمة.
تنبثق عن العلاقات الصينية العربية طاقة حيوية نابضة. فقد أقيمت حتى الآن علاقات التعاون الإسترتيجي أو تم الارتقاء بها إلى مستوى علاقات الشراكة الإستراتيجية أو ما فوق بين الصين و8 دول عربية تشمل مصر والجزائر والسعودية والإمارات وقطر والسودان والأردن والعراق. وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين 251.1 مليار دولار في عام 2014 واستيراد الصين 146 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية. وفي المقابل، انضمت 7 دول عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كدول أعضاء مؤسسين. وفي هذه الـ60 سنة المنصرمة، قامت الصين بتقديم المساعدات الاقتصادية البالغة قيمتها الإجمالية 25 مليارا و400 مليون يوان صيني، وبتأهيل أكثر من 20 ألف شخص في مختلف التخصصات للدول العربية، كما أرسلت بعثات طبية إلى 8 دول عربية. وما عدا ذلك، أُدخلت 11 دولة عربية إلى قائمة المقاصد السياحية للمواطنين الصينيين، وتنتقل كل الأسبوع 183 رحلة جوية بين الصين والدول العربية مع تنقل أكثر من مليون و20 ألف شخص بين الجانبين سنويا.
يقول المثل العربي إن "السير بوحده سريع، والسير مع الجماعة بعيد"، بينما يقول الصينيون دائما إن "كثرة الصحبة لبسطة الرحلة"، وذلك أمثل ما يكون وصفا لحالة الجانبين الصيني والعربي اللذين يتقدمان كفا بكف ويتقاسمان السراء والضراء.
يعيش عالم اليوم تغيرات معقدة وعميقة في ظل التحديات العالمية المتزايدة، والانتعاش الاقتصادي العالمي المترنح، والتوترات المحلية المتتالية والمتعاقبة، والتهديدات الإرهابية المتفاقمة والمتعاظمة، وهو الحال الذي يتطلب إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية محوره التعاون والكسب المشترك بإلحاح أكثر من أي وقت مضى.
كما يمر كل من الصين والدول العربية بمرحلة حاسمة للتنمية، يكافح فيها الشعب الصيني من أجل إنجاز المجتمع الرغيد على نحو شامل وتحقيق الحلم الصيني للنهضة العظيمة للأمة الصينية، بينما تعمل الشعوب العربية على استكشاف الطرق للإصلاح والتغيير بإرادتها الحرة، بغية النهوض بالأمة. فيرتبط الجانبان الصيني والعربي ببعضهما البعض ارتباطا أوثق لما يشتركان فيه من المهام التنموية والأهداف الطموحة.
تمتلك الصين والدول العربية كمجموعة سُدس مساحة اليابسة ورُبع سكان العالم، الأمر الذي يبشر بإمكانية ضخمة وآفاق رحبة للتعاون بين الجانبين. وعليه، فسنواصل مساعينا لدفع علاقات التعاون الإستراتيجي الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة، من أجل تناقل شعلة الصداقة الصينية العربية التقليدية من جيل إلى جيل، وتوزيع نتائج التعاون الصيني العربي على عدد أكبر من مواطني الجانبين.
-- إنه من الضرورة بمكان أن يكون الجانبان الصيني والعربي متمسكين باستكشاف الطرق التنموية بإرادتهما المستقلة. لا يوجد دواء يعالج كل الأدواء، ولا يوجد نمط تنموي يناسب جميع الدول. لا يوجد في العالم أحد يكون أكثر إدراكا من شعوب الشرق الأوسط بتسلسل تاريخ المنطقة وتفاصيلها وأسباب حاضرها وإلى أين تتجه، ولا يوجد طريق سوى الذي يناسبنا يطول ويتوسع حتى نسلكه ونتبعه على مدى بعيد. فتطلع الشعوب العربية للحياة المزدهرة هو قوة دافعة تحرك عجلة الإصلاح، ومرساة في نفس الوقت ترسو بها المنطقة في ميناء الاستقرار. وعلى هذا الأساس، إن الصين على أتم الاستعداد لدعم مصر وسائر الدول العربية في السير على الطرق التنموية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية والمشاركة في تقاسم خبرات التنمية ومواجهة تحديات العصر.
-- إنه من الضرورة بمكان أن يكون الجانبان الصيني والعربي مدافعين عن سلام المنطقة. لا هدوء في العالم بدون استقرار في الشرق الأوسط. وقد برهن التاريخ على أن القوة لم تكن يوما حلا ناجعا للمشاكل، وأن فكرة صفرية النتيجة و"الفائز يأخذ الكل" تتناقض تماما مع هذا العصر، الذي لن يتحقق فيه القدر المستطاع للمصلحة المشتركة بين الأطراف المختلفة إلا من خلال إبراز القاسم المشترك وتعتيم المختلف وإعلاء روح التشارك والتسامح باعتبار ذلك العنصر الأساسي في هذا السبيل. وعليه، فإن الجانب الصيني سيواصل دعمه كما هو عليه دائما لعملية السلام في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما ستتقدم الصين بمزيد من المنتجات العامة، وتعمل جنبا إلى جنب مع مصر وسائر الدول العربية على حفظ السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
-- إنه من الضرورة بمكان أن يكون الجانبان الصيني والعربي دافعين للتعاون المتبادل المنفعة. تسعى مبادرة "الحزام والطريق" إلى تحقيق المصلحة الجماعية التي تخدم الجميع وليس المصلحة الانفرادية على حساب الآخرين. تنعم الصين بسوق واسعة ورءوس أموال وافرة وتقنيات متطورة وطاقة إنتاجية متفوقة، كما طرحت فكرة تنموية تتسم بالإبداع والتناسق والأسلوب الأخضر والانفتاح والتنافع. هذا وأن الدول العربية تمر بمرحلة حاسمة في عملية التحديث، وتأخذ أغلبيتها العملية الصناعية كخيار مهم لتعزيز التنمية وتحسين معيشة الشعب وزيادة التوظيف، فيمكن ارتباط الإستراتيجيات التنموية للجانبين ببعضها البعض من خلال التشارك في بناء "الحزام والطريق"، وتعميق التعاون وتوسيع دائرته في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار والبنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها. ونرحب بقيام مصر وسائر الدول العربية باقتسام "قطار التنمية الصينية السريع"، بغية تحقيق التنمية المتناسقة والنمو المترابط بين الجانبين.
-- إنه من الضرورة بمكان أن يكون الجانبان الصيني والعربي داعيين لتطوير التنوع الحضاري. تتمتع كل من الحضارة الصينية والحضارة العربية الإسلامية بخصوصياتها ونظامها المتكامل. ننظر إلى بعضنا البعض بعين الإعجاب ونتدارس ونستفيد من الجوهرة الثقافية لبعضنا البعض بكل احترام وتواضع، ونقدم بذلك نموذجا حيا للتواصل والتنافع الحضاري في العالم. ونحرص على مواصلة الجهود الدؤوبة مع مصر وسائر الدول العربية لتوارث الثقافة والحفاظ على الطابع التعددي والتنوعي لمختلف الحضارات.
"أنت تتدفق من الأراضي والسيول". هكذا أثنى المصريون القدماء على النيل. وإنني على يقين بأنه تحت الجهود المشتركة من الجانبين، ستتعمق الصداقة الصينية المصرية والصداقة الصينية العربية مثل النيل الذي يتدفق، بما يعزز جهودنا في تحقيق أحلامنا العظيمة للنهوض بالأمة!
صحفية الرياض السعودية تنشر مقالة موقعة بقلم الرئيس الصيني بعنوان ((شريكان عزيزان نحو التنمية المشتركة)) |
((أهم الموضوعات الدولية)) تعليق: جولة الرئيس الصيني في الشرق الأوسط تدفع تجسيد مبادرة "الحزام والطريق" |