بكين 23 ديسمبر 2016 (شينخوا) بعد ثلاث سنوات من التطور، جلبت مبادرة "الحزام والطريق" التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 جلبت بشكل تدريجي ومطرد تغييرا في حياة شعوب وبلدان الواقعة بطول طريق التجارة القديم هذا، في تحد لتوقعات العديد من المراقبين الدوليين الذين اعتبروها مجرد امتداد للدبلوماسية الصينية.
فلقد أصبحت هذه المبادرة، التي تضم أكثر من 100 مشارك ومناصر حتى الآن من بينها دول ومنظمات دولية، أصبحت الآن طريقا لحياة أسعد، ولتحقيق الأحلام ، وللرخاء الإقليمي للسكان المحليين على طول الطريق.
-- طريق إلى حياة أسعد
وباعتبارها خطة رئيسية لتحقيق التكامل بين 65 دولة تمتد من شرق آسيا إلى غرب أوروبا، من المتوقع أن تسهم مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في تحسين المستويات المعيشية لـ4.4 مليار نسمة، وهم أكثر من نصف إجمالي سكان العالم.
"لا أحد يعلم ما ينتظرنا في نهاية الطريق، ولكني أتمني أن يؤدى الطريق إلى السعادة للجميع"، هكذا كتبت عاملة بناء صينية تدعى ما يي وتعمل في إنشاء الطرق في لاوس على مدونته الخاصة.
وباعتبارها موظفة في شركة يوننان صني الصينية لبناء الطرق والكباري، تعمل ما يي في هذا البلد الواقع بجنوب شرق آسيا منذ خمس سنوات وشاركت في العديد من المشروعات الرامية إلى تحسين البنية التحتية للاوس.
وأعربت ما يي عن تمنياتها بأن يكون تطوير الطريق السريع رقم 13، وهو المشروع الذي تقيمه شركتها، سبيلا لجعل الشعب اللاوسي أقرب إلى حياة أسعد.
فالمشروع، جنبا إلى جنب العديد من مشروعات البنية التحتية الأخرى صينية التمويل في لاوس، يعد جزءا من البرامج التعاونية التي تأتي داخل إطار المبادرة.
وعقب تطوير الطريق البالغ طوله 81 كلم، سينخفض الوقت الذي يستغرقه السفر من باكمونغ إلى ماونغ إكساي بواقع أكثر من ساعة. كما تصل الآن شبكة الكهرباء إلى القرى الواقعة بطول الطريق، وبنيت محال ومطاعم وبنوك، لتتيح المزيد من فرص العمل للسكان المحليين.
ومع تحسين الطرق، "يمكننا أن نزرع مزيدا من المحاصيل، ونربح مزيدا من الأموال، ولم يعد لدينا ما يدعو للقلق بأن إنتاجنا قد يفسد في الحقول قبل أن يشق طريقه إلى المستهلكين"، حسبما قال قروي محلي في موانغ إكساي يدعى كيتماني لوكالة أنباء ((شينخوا)).
إن البنية التحتية، وهي جانب مهم من التعاون في ظل المبادرة، لا تسمح فقط بإجراء عمليات نقل أسرع في الدول الواقعة بطول "الحزام والطريق"، وإنما تتيح لها أيضا فرصة لتحسين تكنولوجياتها.
فقد قال سياماك قاسمي (36عاما)، وهو عامل ذو خبرة في مصنع مقره طهران تابع لشركة (طهران لتصنيع العربات)، وهي مشروع مشترك بين إيران والصين، قال إن "الصين حققت تقدما في تطوير النقل بمترو الأنفاق والسكك الحديدية. ولديها دائما أشياء عظيمة لتتقاسمها مع إيران".
وصار قاسمي، الذي أرسل إلى الصين مرتين للتدريب، على دراية تامة بأهمية نقل التكنولوجيا وتطوين الإنتاج في إطار هذه العملية.
لهذا أوضح قاسمي لـ((شينخوا)) قائلا "في البداية، قمنا بالاستيراد من الصين، وبعدها تعلمنا التجميع، والآن يجرى بشكل متزايد وبمساعدة الصين إضفاء الطابع المحلي على الأشياء حتى صار لدينا خط إنتاج خاص".
-- طريق إلى الأحلام
وبالنسبة لأولئك الذين يشاركون فعليا في المشروعات المقامة في هذا الإطار، صارت المبادرة طريقا لتحقيق أحلامهم .
فعندما قررت نهلة عماد (30 عاما) العمل في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصينية - المصرية، لم تكن تتصور أن هذا القرار سيغير حياتها.
وتعد منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري، التي تأسست عام 2009 على مساحة أولية تصل إلى 1.34 كلم مربع، مشروعا هاما للتعاون بين الصين ومصر في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وقالت نهلة عماد "كنت صغيرة ولم تكن لدى خبرة في هذا النوع من العمل عندما انضممت إلى الشركة، ولكني أصبحت الآن مديرة لإدارة التسويق"، مضيفة أنها لم تكن تفكر في ترقية كهذه في الوظيفة سوى في أحلامها.
"أصبح كل شيء الآن في العمل يجرى كأمر معتاد، وصارت الشركة مثل بيتي. أعيش هنا، وأعمل هنا، وكونت أسرتي هنا".
وتتيح المبادرة للدول المشاركة فرصة الاستفادة من النمو السريع الذي تحققه الصين. فبالنسبة للأهالي في مدينة جوادر الباكستانية، فإن تأثير المبادرة كبير للغاية. فقد حولت المبادرة مدينة صيد إلى ميناء مزدهر، لتحقق حلم السكان المحليين في أن يصبح ميناؤهم "دبي ثانية".
وتذخر المدينة التي يصل عدد سكانها إلى أقل من 100 الف نسمة، بميناء طبيعي في المياه العميقة يقع بالقرب من ممرات الملاحة الرئيسية وشبه جزيرة على شكل مرساة تحمى الميناء من أمواج بحر العرب.
ورغم الخطط التنموية التي وضعتها الحكومة الباكستانية في عام 2002، إلا أن المدينة ظلت نائمة في بات عميق لعقد آخر من الزمان قبل أن تختار الصين الميناء كمشروع رئيسي في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الذي يعد مشروعا رئيسيا للمبادرة.
وذكر رئيس هيئة ميناء جوادر دوستين جمال الدين أن أسعار الأراضي، وهي مقياس لقياس ثقة المستثمر، ارتفعت إلى أكثر من الضعف في العامين الماضيين.
وأشار جمال الدين إلى أن السكان المحليين يتحدثون باستمرار عن دبي عندما يتصورون مستقبلهم، ولديهم ثقة في أن الفرص الضخمة التي تخلقها مبادرة "الحزام والطريق" الصينية ستحدث تحولا في مدينتهم مدينة الصيد وتحقق أحلامهم .
وقال جمال الدين "ما يمكن أن تحققه دبي، يمكننا تحقيقه أيضا".
-- طريق إلى الرخاء المشترك
وأصبحت المبادرة التي اقترحت في عام 2013، بمبادئها التوجيهية المتمثلة في التشاور واسع النطاق والمساهمة المشتركة والمنافع المشترك، أصبحت جوقة عزف وليست عزفا منفردا.
وتهدف مبادرة" الحزام والطريق"، المستوحاة من الطريق التجاري الرئيسي القديم الذي كان يربط بين الصين وآسيا وأوروبا وإفريقيا منذ زمن بعيد، تهدف إلى تحديث الطريق التجاري القديم فيما تطمح إلى تحقيق الرخاء المشترك في تلك المناطق.
وذكر تقرير صدر عن جامعة الشعب الصينية أن الصين بدأت بالفعل في تحقيق التنسيق بين مبادرتها والإستراتيجيات التنموية للعديد من البلدان الواقعة على طول الطريق مثل برنامج الطريق المشرق في قازاقستان وكذا إستراتيجية التنمية المستدامة في قرغيزستان.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، آتت المشروعات التعاونية بين الصين وقازاقستان داخل إطار المبادرة آتت بالفعل ثمارها، لتصبح بمثابة قدوة يمكن أن تحتذي بها الدول الأخرى على طول "الحزام والطريق".
وأشارت السفارة الصينية في قازاقستان إلى أن الصين وقازاقستان توصلتا إلى 51 اتفاقية حول تعزيز القدرة الإنتاجية الصناعية بإجمالي استثمارات تبلغ قيمتها 26 مليار دولار. وإن المشروعات الـ12 التي أطلقت بالفعل أو التي ستطلق، بما فيها بناء سكك حديدية خفيفة وتوسيع مترو الأنفاق، تصل استثماراتها إلى 4 مليارات دولار.
وصرح شيجيو كاتسو رئيس جامعة نازارباييف لـ((شينخوا)) بأن هذه المشروعات التعاونية ستحدث تغييرات كبيرة في قازاقستان وغيرها من بلدان آسيا الوسطى.
وبالنسبة لشيراديل باكتيغلوف الذي يعد استشاريا مستقلا وخبيرا في حوكمة الدولة، فإن إستراتيجية التنمية المستدامة لقرغيزستان ومبادرة"الحزام والطريق" تكملان كل منهما الأخرى.
فبناء ممر للنقل في المنطقة يعد من ناحية أولوية لإستراتيجية التنمية المستدامة والمبادرة، على حد قول الخبير.
والأكثر من ذلك، أن المبادرة ستعمل على تعبئة اقتصادات البلدان الواقعة على الطريق، ما يعني أن قرغيزستان قد تستفيد من الاستثمارات الصينية، هكذا أكد الخبير.
وقال جريشون إيكيارا المحاضر بكلية الدبلوماسية في جامعة نيروبي إنه بالإضافة إلى آسيا الوسطي، تطلق المبادرة العنان للنمو في إفريقيا، مضيفا أن المبادرة ستدعم الرخاء المستقبلي لإفريقيا.
ولفت إيكيارا إلى أن "مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين من المتوقع أن تحدث تغييرا جذريا في مشاركة كينيا وإفريقيا في التجارة العالمية خلال العقدين المقبلين"، مضيفا أن دول شرق إفريقيا بدأت تشعر بتأثير هذه المبادرة من خلال تنفيذ مشروع "خط السكك الحديدية المعياري" وموانئ بحرية.
وذكر إيكيارا أنه في إطار هذه المبادرة، بدأت مشروعات البنية التحتية هذه تعود بالفائدة على كينيا ومنطقة الشرق والقرن الإفريقي الكبرى وسوف تعزز التجارة البينية الإفريقية وكذا تحفز التحول الصناعي في القارة، منوها إلى أن المبادرة ستصبح بمثابة ضامن للتنمية الاقتصادية والسلام والاستقرار في إفريقيا مستقبلا.
وقال مراقبون إن المبادرة، التي اشادت بها الأمم المتحدة ووصفتها بأنها ركنا مهما من أجندتها للتنمية المستدامة لعام 2030، لها تأثير عالمي يتمثل في صنع عهد جديد، وتتجاوز أهميتها البلدان الواقعة على طريقيها.
فقد صرح وزير الخارجية الصربي إيفيكا تاديتش خلال مقابلة حصرية أجرتها معه ((شينخوا)) مؤخرا بأن "هذه المبادرة التي تقدمت بها جمهورية الصين الشعبية ربما تكون أحد أهم المبادرات في العالم بأسره. وتمثل نتاجا لدراسة عميقة ليس للأوساط السياسية الصينية فحسب، وإنما أيضا للمؤسسات العلمية".
وقال "إنها تمثل، بطريقة أو بأخرى، مبادرة عالمية تحظى بموافقة وقبول حسن من جانب عدد كبير من البلدان بما فيها الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدول المرشحة وغير المرشحة لعضوية الاتحاد. وأرى أنها مبادرة جادة وستحقق نتائج هامة في شتي المجالات".